قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا) [الإسراء: ٨٢]، فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعمّ ولا أنفع ولا أعظم ولا أشجع في إزالة الداء من القرآن.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سَفْرة سافروها حتى نزلوا على حيّ من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يُضَيّفوهم. فلُدِغَ سيّدُ ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهطَ الذين نزلوا، لعلّه أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم، فقالوا: أيها الرهط إن سيّدنا لُدِغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إنّي لأرقي، ولكن والله استضفناكم فلم تُضَيّفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جُعْلًا.
فصالحوهم على قطيع من الغنم. فانطلق يتفُل عليه، ويقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]. فكأنما نُشِطَ من عِقال، فانطلق يمشي، وما به قَلَبة. فأوفَوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقتسِموا، فقال الذي رقَى: لا نفعل حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر بما يأمرنا. فقدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ " ثم قال: "قد أصَبتُم، اقتسِمُوا واضرِبوا لي معكم سهمًا".
فقد أثّر هذا الدواءُ في هذا الداء، وأزاله حتى كأنْ لم يكن. وهو أسهل دواء وأيسره. ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء.
ومكثتُ بمكة مدّةً تعتريني أدواء، ولا أجد طبيبًا ولا دواء، فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيرًا عجيبًا. فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا، وكان كثير منهم يبرأ سريعًا.
الدواء والدواء (ص: 6)