فضل صيام يوم عرفة:
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده" رواه مسلم.
ويوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه، فإن فيه يكون الوقوف والتضرع والتوبة والابتهال والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة، ولهذا سمي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أذن لهم ربهم يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته، ولهذا كان فيه ذبح القرابين، وحلق الرءوس، ورمي الجمار، ومعظم أفعال الحج، وعمل يوم عرفة كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم. زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 56).
صوم يوم عرفة للحاج:
يقول ابن القيم في زاد المعاد (2/ 73):
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إفطار يوم عرفة بعرفة، ثبت عنه ذلك في الصحيحين.
وروي عنه أنه "نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة"، رواه عنه أهل السنن. وصح عنه أن "صيامه يكفر السنة الماضية والباقية" ذكره مسلم.
وقد ذُكر لفطره بعرفة عدة حكم:
منها: أنه أقوى على الدعاء.
ومنها: أن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم فكيف بنفله.
ومنها: أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة وقد "نهى عن إفراده بالصوم" فأحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيدا لنهيه عن تخصيصه بالصوم، وإن كان صومه لكونه يوم عرفة لا يوم جمعة، وكان شيخنا رحمه الله يسلك مسلكا آخر وهو أنه يوم عيد لأهل عرفة لاجتماعهم فيه، كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختص بمن بعرفة دون أهل الآفاق. قال: وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل السنن: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى، عيدنا أهل الإسلام". ومعلوم أن كونه عيدا هو لأهل ذلك الجمع لاجتماعهم فيه. والله أعلم.
قاعدة في تفاضل الأعمال:
تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه.
وبهذا يزول الاشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه "أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة" قالوا: فإذا كان دأبه دائماً انه يصوم يوم عرفة فصامه وصام يوم عاشوراء، فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة، وأجاب بعضهم عن هذا بأن ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات. الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 10)
لماذا صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة؟
فائدة:
إن قيل لم كان عاشوراء يكفر سنة ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء.
الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم والله أعلم. منتخب من الفوائد المنتقية من الرقوم الشرقية. بدائع الفوائد (4/ 211)
تكفير يوم عرفة وعاشوراء للذنوب مشروط بترك الكبائر:
يقول ابن القيم في الداء والدواء (ص: 25):
وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء، أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر، ولم يدر هذا المغتر، أن صوم رمضان، والصلوات الخمس، أعظم وأجل من صيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر.
فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، لا يقويا على تكفير الصغائر، إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر.
فكيف يكفر صوم يوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها، غير تائب منها؟ هذا محال، على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء مكفرا لجميع ذنوب العام على عمومه، ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع، ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير، فإذا لم يصر على الكبائر لتساعد الصوم وعدم الإصرار، وتعاونهما على عموم التكفير، كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) [سورة النساء: 31].
فعلم أن جعل الشيء سببا للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير، ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما، وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوى وأتم وأشمل.