*الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: هل يجب على طالب العلم النَّظر في كُتب شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله تعالى-، وإنْ كان الجواب بنعم، فبم تنصحون؟!
أوَّلًا: بالنِّسبة للوُجُوب، يقول: هل يجب على طالب العلم النَّظر في كُتب شيخ الإسلام؟ العلم جُملةً منه ما هو واجب، ومِمَّا لا يتمُّ الواجب إلا بمعرفتِهِ على المُكَلَّفْ، وباقيه نفل من أفضل الأعمال، وهو بابٌ من أبواب الجهاد، أمَّا كَوْنُهُ يجب فلا، وتبعاً لذلك، فالنَّظر في كتب شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله تعالى- من أولى ما ينبغي أنْ يُعْنَى به طالب العلم؛ لأنَّها خير ما يُعين على فهم الكتاب والسُّنَّة.
فبم تنصحون؟
لا شكَّ أنَّ مُؤلَّفات الشيخين كُلُّها قَيِّمة، وكُلُّها نافِعة؛ لكنْ منها ما يُناسب المُتوسِّطين، ومنها ما لا يُدْرِكُهُ إلاَّ الكِبار، ومنها ما لا يُدْرَكْ كُتب شيخ الإسلام على وجه الخُصُوص إلا القليل النَّادر جدًّا، فكُتُب شيخ الإسلام -رحمهُ الله تعالى- مُتفاوته جدًّا، فيها تفاوُت، وعلى كُلِّ حال الطَّالب المُبتدئ عليهِ أنْ يَلْزَمْ الجَادَّة، ويقرأ كتب المُبتدئين التِّي خَصَّصها أهلُ العلم لهم، مع حفظ ما أمْكَنَ حِفظُهُ من كتاب الله -جلَّ وعلا-، وبَقِيَّةُ العُلُوم على التَّرتيب المعرُوف عند أهل العلم، وكتب شيخ الإسلام بالنِّسبة للمُبتدئين تصعُب عليهم جدًّا، المُتوسِّطين قد تناسبهم بعض كتب ابن القيم -رحمهُ الله-، كتب ابن القيِّم أيضاً فيها نفائس، وفيها فهمٌ عجيب للنُّصُوص، وفيها توجيه، وفيها عِلَاج لكثير من أمراض القُلُوب، فلا يستغني عنها طالبُ علم، لا يَسْتَغْنِي عنها إلا من اسْتَغْنَى عن العلم! فكتب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في غاية الأهمِّيََّة لطالب العلم؛ لكنْ يَنْبَغي أنْ تُرَتَّبْ الأُمُور، منها ما يُمْكن أنْ يُفْهَمْ، ومنها ما لا يُفْهَمْ إلاَّ بالقراءة على الشُّيُوخ، ومنها ما يُؤَجَّلْ، تُؤَجَّلْ قِراءَتُهُ حتَّى يُدْرِكَ الشَّخص، تكون لديه أهليَّة لفهم هذهِ الكتب، فبعض الطُّلَاب يَسْمَع مَدْح بعض الكتب، وهذا شيء يُؤثِّر في الجميع إنَّ الشيخ يمدح كتاب؛ يذهب الطَّالب يقتنيه ويَنْظُر فيه! ثُمَّ بعد ذلك يُفَاجَئ أنَّهُ فوق مُستواه! فيملّ منهُ ويترك، وكثير من الطُّلَّاب على هذه الشَّاكِلة، الشيخ المُتحدِّثْ أمَامَهُ فِئَات مُتفاوتة في الفهم، فهو يمدح الكتاب باعْتِبَارُهُ نافع؛ لكنْ ما ينظر إلى أنَّ بعض من يحضر من المُبتدئين قد يصرفه هذا الكتاب عن تحصيل العلم! فإذا سَمِع طالب العلم المُبتدئ مثلًا مَدْح الحافظ ابن كثير لعلل الدارقطني أشَادَ بِهِ، والكتاب كذلك؛ لكن هل يصلُح لِطُلَّاب مُبْتَدِئين أو حتَّى المُتوسِّطين؟! ما يصلُح؛ لأنَّ الطَّالب المُبتدئ وحتَّى المُتوسِّط قد لا يُدْرِك كثير مِمَّا يرمي إليهِ الدَّارقطني، أو يسمع مَدْح ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- لكتاب العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية:
واقرأ كتاب العقل والنَّقل الذِّي *** ما في الوُجُود لهُ نَظِيرٌ ثاني
ثُمَّ يذهب لِيَقْرَأ! يمُر عليه مائة صفحة مائتين صفحة مُجلد ما فهم منه شيء البتَّة، هذا حتَّى المُتوسِّطين حتى المُنتهين؛ بل كثير من الشُّيُوخ لا يُدْرِك كثير من كلام شيخ الإسلام! في مثل هذه الكتاب أو نقض التَّأسِيس، يسمع كلام ابن القيم -رحمهُ الله-:
وكذلك التَّأسِيسُ أصبح نَقْضُهُ *** أُعْجُوبةً للعالم الرَّبَّانِي
ومن العَجِيبِ أنَّهُ بِسِلَاحِهم *** أَرْدَاهُمُ نحو الحَضِيَضِ الدَّانِي
يعمُد لِشِراء هذا الكتاب، ثُمَّ يقرأ فيه كونُهُ يَقْتَنِيهْ، ويَجْعَلُهُ عندهُ ويدَّخِرُهُ في مَكتبتِهِ إلى أنْ يَتَأَهَّلْ لقراءتِهِ هذا طَيِّب؛ لكنَّهُ يبدأ بمثلِ هذهِ الكتب؟! أتصوَّر إنّ طالب العلم قد يُصاب بِرَدَّة فِعل، منهاج السُّنَّة لشيخ الإسلام ابن تيمية من أمْتَع كُتُبِهِ -رحمهُ الله-، منْ أيْسَرِها على أوْسَاط المُتعلِّمين؛ لكنْ في المُجَلَّد الأوَّل ثلاثمائة صفحة لو ادَّبَّسْ مرَّة ما تُقْرَأ! وفي السَّادس مثله، يعني كلام جزل صعب على كثير من المُتعلِّمين، ومع ذلك كتب شيخ الإسلام وابن القيم من أنفع ما يُعين على فَهْم الكتاب والسُّنَّة، إضافةً إلى ما كتبهُ الأئِمَّةُ المُحَقِّقُونْ مِنْ سَلَفِ هذهِ الأُمَّة وأئِمَّتِها.
يَقْرَأ الطَّالب لا ابن القيم مثل الفوائد، ومثل إغاثة اللَّهفان، ومثل مفتاح دار السَّعادة، ومثل حادي الأرواح، ثُمَّ بعد ذلك يطلع ويتأهَّل لإعلام المُوقِّعين، وقَبْلَهُ لزاد المعاد؛ كتب نافِعة في غاية الأهَمِّيَّة، كتب لا يُغني عنها شي، فطالب العلم لا يَسْتَغْنِي عن كتب هذين الإمامين.