وقد ذكر النَّسائي في «الكبير» من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي في دبر كلِّ صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت». هذا الحديث تفرَّد به محمد بن حِمْيَر عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة، رواه النسائي عن الحسين بن بشر، عن محمد بن حِمْيَر. وهذا الحديث من الناس من يصحِّحه، ويقول: الحسين بن بشر قد قال فيه النسائي: لا بأس به، وفي موضع وثَّقه. وأما المحمَّدان، فاحتجَّ بهما البخاري في «صحيحه». قالوا: فالحديث على رسمه.
ومنهم من يقول: بل هو موضوعٌ. وأدخله أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه في «الموضوعات»، وتعلَّق على محمَّد بن حِمْيَر، وأن أبا حاتم الرَّازي قال: لا يحتجُّ به، وقال يعقوب بن سفيان: ليس بقويّ. فأنكر ذلك عليه بعضُ الحفاظ، ووثَّقوا محمدًا، وقالوا: هو أجلُّ من أن يكون له حديثٌ موضوعٌ، وقد احتجَّ به أجلُّ من صنَّف في الصحيح وهو البخاري، ووثَّقه أشدُّ الناس مقالةً في الرجال: يحيى بن معين.
وقد رواه الطبراني في «معجمه» أيضًا من حديث عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمَّة الله إلى الصلاة الأخرى». وقد روي هذا الحديث من حديث أبي أمامة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عُمَر، والمغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك.
وفيها كلِّها ضعفٌ، ولكن إذا انضمَّ بعضها إلى بعض، مع تباين طرقها واختلاف مخارجها، دلَّت على أن الحديث له أصلٌ وليس بموضوع. وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية قدَّس الله روحه أنه قال: ما تركتُها عَقيبَ كلِّ صلاة. زاد المعاد ط عطاءات العلم (١/ ٣٤٩ - ٣٥٢)
وقال في الوابل الصيب (١/ ٢٨٥ - ٢٨٦): وفي "النسائي الكبير" عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي عَقِبَ كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلّا أن يموت" . يعني لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا الموت.
وبلغني عن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: ما تركتُه عقيب كل صلاة إلا نسيانًا. أو نحوه .
قلت: وقد بالغ أبو الفرج بن الجوزي في إدخاله هذا الحديث في "الموضوعات"، وقال شيخنا أبو الحجاج المِزِّي رحمه الله: إسناده على شرط البخاري.