وأما المواضع التي كان يدعو فيها في الصلاة فسبعة مواطن:
أحدها: بعد تكبيرة الإحرام في محلِّ الاستفتاح.
الثاني: قبل الركوع وبعد الفراغ من القراءة في الوتر، والقنوت العارض في الصبح، إن صحَّ عنه ذلك، فإنَّ فيه نظرًا.
الثالث: بعد الاعتدال من الركوع، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربَّنا لك الحمد، ملءُ السماوات وملءُ الأرض، وملءُ ما شئت من شيء بعد. اللهمَّ طهِّرني بالثلج والبرد والماء البارد. اللهمَّ طهِّرني من الذنوب والخطايا كما ينقَّى الثوب الأبيض من الوسخ".
الرابع: في ركوعه كان يقول: "سبحانك اللهمَّ ربَّنا وبحمدك. اللهمَّ اغفر لي".
الخامس: في سجوده، وفيه كان غالب دعائه.
السادس: بين السجدتين.
السابع: بعد التشهُّد وقبل السلام. وبذلك أمَر في حديث أبي هريرة وحديث فَضالة بن عبيد، وأمَر أيضًا بالدعاء في السجود.
وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبلَ القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك من هديه أصلًا، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن. وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعله هو ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أمته؛ وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضًا من السنة بعدهما. والله أعلم.
وعامَّة الأدعية المتعلِّقة بالصلاة إنما فعَلها فيها وأمرَ بها فيها. وهذا هو اللائق بحال المصلِّي، فإنه مقبل على ربِّه، يناجيه ما دام في الصلاة. فإذا سلَّم منها انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه. فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه؟ ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن هاهنا نكتةً لطيفةً، وهي أنَّ المصلِّي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلَّله وسبَّحه وحمِده وكبَّره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة، استُحِبَّ له أن يصلِّي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، ويدعو بما شاء. ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة؛ فإنَّ كلَّ من ذَكَرَ الله وحمده وأثنى عليه وصلَّى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - استُحِبَّ له الدعاء عقيب ذلك، كما في حديث فَضالة بن عبيد: "إذا صلَّى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليدعُ بعدُ ما شاء"، قال الترمذي: حديث صحيح.
زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (1/ 296)