بسم الله الرحمن الرحيم
وبهِ نستعينُ
الحمدُ للهِ العليِّ العظيمِ، الحليمِ الكريمِ، الغفورِ الرَّحيمِ.
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، الرَّحمنِ الرَّحيمِ، مَالكِ يومِ الدِّينِ، بدأ خلْقَ الإنسانِ من سُلالةٍ مِنْ طينٍ، ثمَّ جعلَه نُطْفَةً في قَرارٍ مَكينٍ، ثم خلَق النُّطفةَ عَلَقةً سوداءَ للنَّاظرينَ، ثم خلَق العَلَقةَ مُضْغَةً ـ وهي قطعةُ لحمٍ بقدر أُكْلَةِ الماضِغِينَ ـ ثم خلقَ المُضْغةَ عظامًا مختلفةَ الأشكالِ أساسًا يقومُ عليه هذا البناءُ المتينُ، ثم كَسَا العظامَ لحمًا هو لها كالثَّوبِ لِلَّابسينَ، ثم أنْشأهُ خَلقًا آخَرَ، فتباركَ اللهُ أَحْسنُ الخالقِينَ!
فَسُبْحَانَ مَنْ شَمِلتْ قدرتُهُ كلَّ مَقْدُورٍ، وجَرَتْ مشيئتُه في خلْقهِ بِتَصَارِيْفِ الأُمورِ، وتفرَّد بملك السمواتِ والأرضِ، يخلُق ما يشاءُ، {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى/ 49].
وتبارك العليُّ العظيمُ، الحليمُ الكريمُ، السَّميعُ العليمُ {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران/6].
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، إلهًا جلَّ عن المثيلِ والنَّظيرِ، وتعالى عن الشَّريْكِ والظَّهيرِ، وتقدَّسَ عن شَبَهِ خَلْقهِ، فَـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/ 11].
وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورَسُولُهُ، وخِيرتُه من خَلْقه، وأمينُه على وَحْيِهِ، وحجَّتُهُ على عِبَادهِ. أرسلَهُ رحمةً للعالمينَ، وقُدْوةً للعَامِلينَ، ومَحجَّةً للسَّالكينَ، وحُجَّةً على العِبادِ أجمعينَ، فَهَدَى به مِنَ الضَّلالةِ، وعلَّم به من الجَهالةِ، وكثَّر بهِ بعد القِلَّةِ، وأعزَّ به بعد الذِّلةِ، وأغْنَى به بعد العَيْلَةِ، وفتحَ برسالتهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلُوبًا غُلْفًا، فبلَّغَ الرِّسَالةَ، وأدَّى الأمَانةَ، ونصحَ الأُمَّةَ، حتى وَضَحَتْ شَرائعُ الأَحْكامِ، وظهرتْ شرائعُ الإسلامِ، وعزَّ حزبُ الرَّحمنِ وذلَّ حزبُ الشَّيطانِ، فأشرقَ وَجْهُ الدَّهْرِ حُسْنًا، وأَصْبحَ الظَّلامُ ضِياءً، واهتَدَى كلُّ حَيْرانَ.
فصلَّى اللهُ وملائكتُه وأنبياؤه ورُسلُهُ وعبادُه المؤمنونَ عليه ـ كما وحَّد اللهَ وعرَّف به ودعا إليه ـ وعليهِ السَّلامُ ورَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه
مقدمة تحفة المودود بأحكام المولود -ط عطاءات العلم