وقال تعالى: {المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [سورة الأعراف: 1 - 3]؛ فأمر سبحانه باتباع ما أنزل على رسوله، ونهى عن اتباع غيره، فما هو إلا اتباع المُنْزَل أو اتباع أولياءَ مِن دُونِه، فإنه لم يجعل بينهما واسطة، فكل من لم يتَّبع الوحي فإنما اتبع الباطلَ واتبعَ أولياءَ من دون الله، وهذا بحمد الله ظاهر لا خفاء به.
وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } [سورة الفرقان: 27 - 29].
فكل من اتخذ خليلًا غير الرسول، يترك لأقواله وآرائه ما جاء به الرسول؛ فإنه قائلٌ هذه المقالةَ لا محالةَ. ولهذا فإنه سبحانَه لم يُعَيِّنْ هذا الخليلَ، وكنّى عنه باسم فلان، إذْ لكلِّ متبعٍ أولياءُ من دون الله فلانٌ وفلانٌ.
فهذا حال هذين الخليلين المتخالَّينِ على خلاف طاعة الرسول، ومآل تلك الخُلَّةِ إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [سورة الزخرف: 67].
وقد ذكر تعالى حال هؤلاء الأتباع وحال من اتبعوهم في غير موضع من كتابه؛ كقوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [سورة الأحزاب: 66 - 68].
تمنى القوم طاعة الله وطاعةَ رسوله حين لا ينفعهم ذلك، واعتذروا بأنهم أطاعوا كُبَراءَهم ورؤساءهم، واعترفوا بأنهم لا عُذرَ لهم في ذلك، وأنهم أطاعوا الساداتِ والكُبراء وعَصَوا الرسول، وآلت تلك الطاعة والموالاة إلى قولهم: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}. وفي بعض هذا عبرةٌ للعاقل وموعظة شافية، وبالله التوفيق.
الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه (١/ ٥١)