وكان يستفتح تارةً بـ «اللهمَّ باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب. اللهمَّ اغسِلْني من خطاياي بالماء والثلج والبَرَد. اللهمَّ نقِّني من الذنوب والخطايا كما ينقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس».
وتارةً يقول: «وجَّهتُ وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين. إنَّ صلاتي ونُسُكي ومَحْياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرتُ وأنا أول المسلمين. اللهم أنت المَلِك، لا إله إلا أنت. أنت ربِّي، وأنا عبدك. ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. واهدِني لأحسنِ الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَ الأخلاق لا يصرِف عنِّي سيِّئَها إلا أنت. لبَّيك وسعدَيك، والخير في يديك، والشرُّ ليس إليك. أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك». ولكن المحفوظ أن هذا الاستفتاح كان يقوله في قيام الليل.
وتارةً يقول: «اللهمَّ ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة؛ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، فإنَّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
وتارةً يقول: «اللهمَّ لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن … » الحديث، وقد تقدم؛ فإن في بعض طرقه الصحيحة عن ابن عباس أنه كبَّر ثم قال ذلك.
وتارةً يقول: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الحمد لله كثيرًا، الحمد لله كثيرًا، الحمد لله كثيرًا. سبحان الله بكرةً وأصيلًا، سبحان الله بكرةً وأصيلًا، سبحان الله بكرةً وأصيلًا. اللهمَّ إني أعوذ بك من الشيطان، من هَمْزه ونَفْخه ونَفْثه».
وتارةً يقول: «الله أكبر، عشر مرَّات، ثم يسبِّح عشرًا، ثم يحمد عشرًا، ويهَلّل عشرًا، ويستغفر عشرًا. ثم يقول: اللهم اغفِرْ لي وَاهْدِني وارزقني عشرًا. ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة، عشرًا».
= فكلُّ هذه الأنواع قد صحَّت عنه.
وروي عنه أنه كان يستفتح بـ «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك»، ذكر ذلك عنه أهل «السنن» من حديث علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكِّل، عن أبي سعيد، على أنه ربما أرسل. وقد روي مثله من حديث عائشة. والأحاديث التي قبله أثبت منه، ولكن صحَّ عن عمر بن الخطاب أنه كان يستفتح به في مقام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويجهر به يعلِّمه الناس.
قال الإمام أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر، ولو أنَّ رجلًا استفتح ببعض ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاستفتاح كان حسنًا. وإنما اختار أحمد هذا لعشرة أوجه قد ذكرتها في موضع آخر.
منها: جهرُ عمر به يعلِّمه الصحابة.
ومنها: اشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن، فإن أفضل الكلام بعد القرآن: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر». وقد تضمَّنها هذا الاستفتاح مع تكبيرة الإحرام.
ومنها: أنه استفتاح أُخْلِصَ للثناء على الله، وغيرُه متضمِّن للدعاء؛ والثناءُ أفضل من الدعاء. ولهذا كانت سورة الإخلاص تعدِل ثلثَ القرآن، لأنها أُخلِصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى والثناء عليه. ولهذا كان «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» أفضل الكلام بعد القرآن، فيلزم أنَّ ما تضمَّنها من الاستفتاح أفضل من غيره من الاستفتاحات.
ومنها: أن غيره من الاستفتاحات عامَّتُها إنما هي في قيام الليل في النافلة، وهذا كان عمر يعلِّمه الناس في الفرض.
ومنها: أن هذا الاستفتاح إنشاءٌ للثناء على الرَّبِّ تعالى، متضمِّن للإخبار عن صفات كماله ونعوت جلاله؛ والاستفتاح بـ «وجَّهتُ وجهي» إخبارٌ عن عبودية العبد. وبينهما من الفرق ما بينهما.
ومنها: أن من اختار الاستفتاح بـ «وجَّهتُ وجهي» لا يكمله، وإنما يأخذ قطعةً من الحديث، ويذَر باقيه؛ بخلاف الاستفتاح بـ «سبحانك اللهم»، فإنَّ من ذهب إليه يقوله كلَّه إلى آخره.
زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (1/ 223 - 228)