إثبات صفة الكلام لله تعالى من النونية مع التعليق

556 - واللهُ رَبِّي لَمْ يَزَلْ متكلِّمًا … وكلَامُهُ المَسمُوعُ بالآذَانِ

557 - صِدْقًا وعَدْلًا أُحْكِمَتْ كَلِمَاتُهُ … طَلَبًا وإخْبَارًا بِلَا نُقْصَانِ

558 - وَرَسُولهُ قَدْ عَاذَ بالكَلِمَاتِ مِنْ … لَدْغٍ وَمِن عَيْنٍ ومِنْ شَيْطَانِ

559 - أيعوذُ بالمَخْلُوقِ حَاشَاهُ مِنَ الْـ … إِشرَاكِ وَهْوَ مُعَلِّمُ الإيمَانِ

560 - بَلْ عَاذَ بالكَلِمَاتِ وَهْيَ صِفَاتُهُ … سُبْحَانَهُ لَيْسَتْ مِنَ الأكْوانِ

561 - وَكَذَلِكَ القُرْآنُ عَيْنُ كَلَامِهِ الْـ … ـمَسْمُوعِ مِنْهُ حقِيقَةً بِبَيَانِ

562 - هُوَ قَوْلُ رَبّي كلُّهُ لَا بَعْضُهُ … لَفْظًا وَمَعْنىً مَا هُمَا خَلْقَانِ

563 - تَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ وقَوْلُهُ … اَللَّفْظُ والمَعْنَى بِلَا رَوَغَانِ

564 - لَكنَّ أصْواتَ الْعِبَادِ وفِعْلَهُمْ … كَمِدَادِهِمْ والرَّقِّ مَخْلوقَانِ

565 - فالصَّوتُ لِلْقَارِي ولَكِنَّ الكَلَا … مَ كلامُ ربِّ العرْشِ ذِي الإحْسَانِ

566 - هَذا إِذَا مَا كَانَ ثَمَّ وَسَاطَةٌ … كَقرَاءَةِ المخْلُوقِ للقُرْآنِ

567 - فإِذَا انْتفَتْ تِلْكَ الوسَاطَةُ مِثْلَمَا … قَدْ كلَّمَ الموْلودَ مِنْ عِمْرانِ

568 - فهُنالِكَ المخْلُوقُ نَفْسُ السَّمْع لَا … شَيءٌ مِنَ المسْمُوعِ فافْهَمْ ذَانِ

569 - هَذِي مَقَالَةُ أحْمدٍ ومُحَمَّدٍ … وخُصُومُهُمْ مِنْ بَعْدُ طَائِفَتَانِ


556 - شرع الناظم رحمه الله في إثبات صفة الكلام وإثبات القول الحق فيه، مع التعرض لاختلاف المذاهب في ذلك.

557 - قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام. تفسير ابن كثير 2/ 167.

- الكلام في لغة العرب نوعان:

الأول: الخبر كجاء زيد، وهو يحتمل الصدق والكذب لذاته.

الثاني: الإنشاء وهو الطلب كطلب فعل أو طلب ترك وهو لا يحتمل الصدق والكذب لذاته لأنه ليس له مدلول خارجي يطابقه أو لا يطابقه.

انظر الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني ج 1/ 55.

558 - يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوذ حسنًا وحسينًا يقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة" رواه البخاري 6/ 408 فتح، كتاب الأنبياء، باب 10. قال نعيم بن حماد شيخ البخاري وهو من أئمة السنة: لا يستعاذ بالمخلوق ولا بكلام العباد والجن والإنس والملائكة، وقال البخاري عقبه: "وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق وأن سواه خلق" خلق أفعال العباد ص 132.

559 - "أيعوذ": كذا في "الأصل" وفي ف، ظ: "أفعاذ"، وكلاهما جيد. وفي غيرها: "أيُعاذ".

561 - يُعرِّض ببطلان قول المعتزلة وغيرهم القائلين بأن كلام الله تعالى مخلوق في بعض الأجسام وابتداؤه من ذلك الجسم لا من الله فلا يقوم بنفس الله تعالى كلام لا معنى ولا حروف.

انظر مختصر الصواعق 2/ 473، وسيأتي في كلام الناظم ذكر هذا القول والرد على قائله. انظر البيت: 829 وما بعده.

563 - يعرض الناظم رحمه الله في هذين البيتين ببطلان قول الأشاعرة والكلابية القائلين بأن كلام الله تعالى كلام نفسي يقوم به كقيام الحياة والعلم وليس حروفًا ولا أصواتًا، فأثبتوا المعنى ونفوا اللفظ وجعلوا الكلام بعضه غير مخلوق وهو المعنى وبعضه مخلوق وهو اللفظ.

انظر مختصر الصواعق ص 474، 477، درء تعارض العقل والنقل 2/ 313، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص 113 - 119، إعجاز القرآن للباقلاني ص 260 - 261، حاشية الدسوقي على أم البراهين ص 109، مجرد مقالات الأشعري لابن فورك ص 59 - 62، شرح العقائد النسفية للتفتازاني ص 42 - 43. وسيأتي في كلام الناظم تفصيل مذهبهم والرد عليهم. انظر البيت: 757 وما بعده.

564 - فعلهم يعني: قراءتهم وكتابتهم.

المداد: الحبر الذي يكتب به.

الرَّقّ: جلد رقيق يكتب فيه.

يشير الناظم رحمه الله في هذا البيت إلى التفريق بين اللفظ والملفوظ والقراءة والمقروء، وسيأتي في كلام الناظم تفصيل ذلك في البيت: 764 وما بعده. انظر مختصر الصواعق المرسلة ص 492 وما بعدها، مجموع الفتاوى 12/ 138.

565 - في "مختصر الصواعق المرسلة": "أصوات العباد من أفعالهم أو متولدة عن أفعالهم فهي من أفعالهم فالصوت صوت العبد حقيقة والكلام كلام الله حقيقة أداه العبد بصوته كما يؤدي كلام الرسول وغيره بصوته فالعبد مخلوق" أ. هـ

وصفاته مخلوقة وأفعاله مخلوقة، وصوته وتلاوته مخلوقة والمتلو المؤدى بالصوت غير مخلوق. مختصر الصواعق ص 482 - 483، وانظر خلق أفعال العباد الأثر رقم 463 ص 175، درء تعارض العقل والنقل 2/ 310 وما بعدها، مجموع الفتاوى 12/ 138.

567 - ذكر الناظم رحمه الله في الأبيات السابقة النوع الأول لسماع كلام الله وهو إذا ما كان بواسطة، أما إذا انتفت الواسطة كما انتفت في حق موسى عليه السلام لما كلمه الله تعالى، فيكون المسموع كله من صوت وألفاظ ومعان كلام الله حقًا، والمخلوق هو نفس سمع السامع المخلوق.

انظر مجموع الفتاوى 12/ 137 وسيأتي شرح ذلك مفصلًا في البيت: 764 وما بعده.

568 - قوله "السمع": يعني به سمع المخلوق وهو هنا سمع موسى عليه السلام. ويعني بالمسموع هنا كلام الله تعالى.

569 - ت: "هذا مقالة … ".

- قال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله سألت أبي: ما تقول في رجل قال: التلاوة مخلوقة وألفاظنا مخلوقة والقرآن كلام الله عز وجل وليس بمخلوق؟ وما ترى في مجانبته؟ وهل يسمى مبتدعًا؟ فقال: هذا يجانب، وهو قول مبتدع، وهذا كلام الجهمية. السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 1/ ص 163 / رقم 178. وانظر درء التعارض 1/ 261.

"محمّد": المراد به: الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله (وستأتي ترجمته تحت البيت 1434)، حيث قال بعد أن أسند عن يحيى بن سعيد قوله: "ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة" قال البخاري: "حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق". خلق أفعال العباد ص 34 وقال محققه: إسناده صحيح، وانظر كذلك ص 76 من الكتاب نفسه.

سبب تخصيص الناظم رحمه الله لهذين الإمامين الجليلين بالذكر أنهما إماما أهل السنة والجماعة وقد رويت عنهما ألفاظ يوهم ظاهرها تأييد ما ذهب إليه الكلابية اللفظية، من أن كلام الله تعالى بعضه مخلوق وهو اللفظ وبعضه غير مخلوق وهو المعنى، وقد تمسك بهذه الروايات أهل البدع وانتسبوا إلى هذين الإمامين ونسبوا المذهب إليهما، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: "لفظي بالقرآن مخلوق" وروي عن الإمام البخاري رحمه الله أنه قال وقد سئل عن اللفظ بالقرآن: "أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا" وأشاع عنه محمد بن يحيى الذهلي أنه قال: "ألفاظنا بالقرآن مخلوقة". وقد تولى أئمة أهل السنة الذب عن هذين الإمامين والرد على من نسب هذا المذهب إليهما مما لا مجال لتفصيله هنا. انظر مجموع الفتاوى 12/ 264 وما بعدها، مختصر الصواعق المرسلة ص 486 وما بعدها، هدي الساري ص 490، سير أعلام النبلاء 12/ 458، خلق أفعال العباد ص 34، 76، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 233 - 247، الحجة في بيان المحجة 2/ 194 - 196 وانظر البيت: 780 وما بعده.


نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم (1/ 553- 570)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله