ومنها: أن يكون الحديث ممّا تَقوم الشواهد الصحيحة على بُطلانه. كحديث عُوج بن عُنق الطويل، الذي قَصَد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء، فإنهم يجترئون على هذه الأخبار.
فإن في هذا الحديث: أنّ طوله كان ثلاثة آلاف ذراع، وثلاث مئة وثلاثة وثلاثين وثلثًا، وأن نوحًا لما خَوّفه الغَرَق قال له: احملني في قصعتك هذه، وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه، وأنه خاض البحر فوصل إلى حُجزته، وأنه كان يأخذ الحوت من قرار البحر فيشويه في عين الشمس، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى، وأراد أن يرضّهم بها، فطوّقها الله في عُنقه مثل الطوق.
وليس العَجب من جُرأة مثل هذا الكذاب على الله، إنّما العَجب ممّن يُدخل هذا الحديث في كُتب العلم، من التفسير وغيره، ولا يُبيّن أمره.
وهذا عندهم ليس من ذرية نوح، وقد قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) [الصافات: 77].
فأخبر أن كُل من بَقي على وَجه الأرض من ذُرية نوح، فلو كان لعُوج وجود، لم يبق بعد نوح.
وأيضًا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلق الله آدم، وطوله في السماء ستون ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
وأيضًا: "فإن بين السماء والأرض خمس مئة عام، وسُمكها كذلك".
وإذا كانت الشمس في السماء الرابعة، فبيننا وبينها هذه المسافة العظيمة، فكيف يصل إليها من طوله ثلاثة آلاف ذراع حتى يَشوي في عينها الحوت، ولا ريب أن هذا وأمثاله من وَضع زَنادقة أهل الكتاب، الذي قَصدوا السخرية والاستهزاء بالرسل، وأتباعهم.
ومن هذا حديث: "إن قاف جَبل من زَبرجدة خضراء مُحيط بالدنيا كإحاطة الحائط بالبستان، والسماء رافعة أكنافها عليه، فزُرقتها منه".
وهذا وأمثاله مما يَزيد زنادقة الفلاسفة، وأمثالهم كفرًا.
ومن هذا حديث: "إن الأرض على صَخرة، والصخرة على قَرن ثَور، فإذا حَرّك الثّور قَرنه تحرّكت الصخرة فتحركت الأرض، وهي الزلزلة".
والعجب من مُسوّد كُتبه بهذه الهذيانات.
ومن هذا حديث: "كانت جِنّية تأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبطأت عليه، قال: ما بطأ بك؟ قالت: مات لها ميّت بالهند، فذهبتُ في تعزيته، فرأيتُ في طريقي إبليس يُصلي على صَخرة، فقلتُ له: ما حملك أن أضللت آدم؟ فقال: دَعي هذا عنك، قلتُ: تُصلي وأنت أنت؟ قال: يا فارغة إني لأرجو من ربي إذا بَرّ قسمه أن يغفر لي، فما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضَحك كذلك اليوم".
قال ابن عدي في "الكامل ": ثنا عبد المؤمن بن أحمد، ثنا مِنقر بن الحكم، ثنا ابن لَهيعة، عن أبيه، عن أبي الزُّبير، عن جابر، فذكره.
والله تعالى أعلم بما دُسّ في كُتب ابن لَهيعة، وإلا فهو أعلم بالحديث من أن يروج عليه مثل هذا.
ومن هذا: حديث هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس، الحديث الطويل، ونحوه.
وحديث زَرنب بن برثملا. قال ابن الجوزي: حديث زرنب باطل.
المنار المنيف في الصحيح والضعيف - ط عطاءات العلم (1/ 70 - 74)