وللعلم ستُّ مراتب:
أولها: حُسْنُ السؤال.
الثانية: حُسْنُ الإنصات والاستماع.
الثالثة: حُسْنُ الفهم.
الرابعة: الحفظ.
الخامسة: التعليم.
السادسة -وهي ثمرتُه- : وهي العملُ به ومراعاةُ حدوده.
فمن الناس من يُحْرَمُه لعدم حُسْن سؤاله؛ إمَّا أنه لا يسألُ بحال، أو يسألُ عن شيءٍ وغيرُه أهمُّ إليه منه؛ كمن يسألُ عن فُضوله التي لا يضرُّ جهلُه بها، ويدعُ ما لا غنى له عن معرفته. وهذه حالُ كثيرٍ من الجهَّال المتعالِمين.
ومن الناس من يُحْرَمُه لسوء إنصاته، فيكونُ الكلامُ والمماراةُ آثَر عنده من حُسْن الاستماع. وهذه آفةٌ كامنةٌ في أكثر النفوس الطالبة للعلم، وهي تمنعهم علمًا ولو كان حَسَنَ الفهم.
ذكر ابنُ عبد البر عن بعض السَّلف أنه قال: «من كان حسنَ الفهم رديءَ الاستماع لم يَقُمْ خيرُه بشرِّه».
وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب «العلل» له قال: «كان عروةُ بن الزبير يحبُّ مُمَاراةَ ابنَ عباس فكان يَخْزُنُ علمَه عنه، وكان عبيدُ الله بن عبد الله بن عتبة يَلْطُفُ له في السؤال فيَغُرُّه بالعلم غَرًّا».
وقال ابن جريج: «لم أستخرج العلمَ الذي استخرجتُ من عطاء إلا برفقي به».
وقال بعضُ السَّلف: «إذا جالستَ العالم فكن على أن تسمع أحرصَ منك على أن تقول».
وقد قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
فتأمَّل ما تحت هذه الألفاظ من كنوز العلم، وكيف تفتحُ مراعاتُها للعبد أبوابَ العلم والهدى، وكيف ينغلقُ بابُ العلم عنه من إهمالها وعدم مراعاتها؛ فإنه سبحانه ذكر أنَّ آياته المتلوَّة المسموعة والمرئيَّة المشهودة إنما تكونُ تذكرةً لمن كان له قلب؛ فإنَّ من عَدِمَ القلبَ الواعي عن الله لم ينتفع بكلِّ آيةٍ تمرُّ عليه ولو مرَّت به كلُّ آية، ومرورُ الآيات عليه كطلوع الشمس والقمر والنجوم ومرورِها على من لا بصر له، فإذا كان له قلبٌ كان بمنزلة البصير إذا مرَّت به المرئيَّات فإنه يراها.
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 482 – 485 ط عطاءات العلم)