الذنوب تغفر بالتوبة النصوح، فلو بلغت ذنوب العبد عَنَان السماء وعدد الرمل والحصا ثم تاب منها: تاب الله عليه، قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. فهذا في حقِّ التائب؛ فإنَّ التوبة تَجُبُّ ما قَبْلَها، والتائبُ من الذنب كمن لا ذنب له، والتوحيد يكفِّر الذنوب، كما في الحديث الصحيح الإلهيِّ: "ابنَ آدمَ لو لَقِيْتَنِي بِقُرَاب الأرض خَطَايا ثم لَقِيْتَني لا تشركُ بي شيئًا لَقِيْتُك بِقُرَابِها مغفرةً".
فالمسلمون ذنوبهم ذنوب موحِّدٍ، إنْ قوي التوحيدُ على محو آثارها بالكلية، وإلا فما معهم من التوحيد يُخْرِجُهم من النار إذا عُذِّبوا بذنُوبِهم.
وأما المشركون والكفار: فإنَّ شِرْكَهم وكُفْرَهم يُحْبِطُ حسناتهم، فلا يَلْقَون ربَّهم بحسنةٍ يرجون بها النَّجاةَ، ولا يُغْفَرُ لهم شيء من ذنوبهم. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
وقال تعالى في حقِّ الكفار والمشركين: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبى اللهُ أن يَقْبَلَ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا" .
فالذنوب تزول آثارها بالتوبةِ النَّصوح، والتوحيدِ الخالصِ، والحسناتِ الماحيةِ، والمصائبِ المكفِّرة لها، وشفاعةِ الشافعين في الموحِّدين، وآخر ذلك إذا عُذِّب بما يبقى عليه منها أخرجه توحِيدُه من النار؛ وأما الشرك بالله والكفر بالرسول فإنه يُحْبِط جميعَ الحسنات بحيث لا تبقى معه حسنةٌ.
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (1/ 301 - 302)