وجه ذمّ الشِّعر ومدحه

وقد كان الصحابة يرتجزون في الحرب، وكان يُحدَى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بالشعر في الحل والحرم، وكانوا ينشدون الشعر وهم محرمون. وقد أخبر الله سبحانه أن من الشعراء من يؤمن بالله ويعمل صالحًا ويذكر الله كثيرًا، وهؤلاء ثُنْيَةُ الله من الشعراء، فلم يذمَّ هؤلاء، بل مدحهم على انتصارهم من بعدما ظُلِموا. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يَمتلئ جوفُ أحدكم قيحًا حتى يَرِيَه خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا". فذمَّ الجوف الممتلئ بالشعر الذي اشتغل به صاحبه عما فيه سعادته من العلم والإيمان والقرآن، وذكر الله كثيرًا، فإن الجوف إذا امتلأ بذلك لم يمتلئ من الشعر. ولهذا قال الشافعي رحمه الله: الشعر كلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيحه. وقال في التغبير: إنه من إحداث الزنادقة يَصُدُّون به الناس عن القرآن. فبيَّن رحمه الله أن إباحة أحدهما لا يستلزم إباحة الآخر.


الكلام على مسألة السماع (1/ 188 - 189)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله