بيتان من الشعر في الطلاق تحتمل ثمانية أوجه

فائدة*

ما يقول الفقيهُ أَيدَهُ اللـ … ـهُ ولا زاكَ عندَهُ إحسان

في فتى عَلَّق الطَّلاق بشهرٍ … قبلَ ما قبلَ قبلِهِ رمضانُ

في هذا البيت ثمانية أوجه:

أحدها: هذا، والثاني: "بعد ما بعده: بعده"، والثالث: "قبل: ما بعد بعده"، والرابع: "بعد ما قبل قبله"، فهذه أربعة متقابلة، والخامس: "قبل ما بعد قبله"، والسادس: "بعد ما قبل بعده"، والسابع: "بعد ما بعد قبله"، والثامن: "قبل ما قبل بعده".

وتلخيصها: أنك إن قدمت لفظة (بعد) جاء أربعة: أحدها: بعدات كلها، والثانية: بعداد وقيل. الثالثة: بعد وقبلان. الرابعة: بعد وقبل ثم بعد. وإِن قدمت لفظة (قبل) جاءت أربعة كذلك.

فإذا عرفتَ هذا؛ فضابط الجواب عن هذه الأقسام الثمانية: أنه إذا اتفقت الألفاظ فإن كانت "قبلا" فيكون الشهر هو الذي تقدمَه رمضان بثلاثة أشهر، فيقعُ الطلاقُ في ذي الحجَّة، فكأنه قال: "أنت طالق في شهر ذي الحجَّة"؛ لأن المعنى: أنتِ طالق في شهر رمضاِن قبل قبل قبله، فلو قال: رمضان قبله طلقت في شوال، ولو قال: قبلَ قبلِهِ لطلقت في ذي القعدة، فإن قال: قبلَ قبلِ قبلِهِ طلقتْ في ذي الحِجّة.

فإن كانت الألفاظُ "بعدًا" طلقت في جُمَادى الآخِرة؛ لأن المعنى: أنتِ طالقٌ في شهر يكونُ رمضان بعدَ بعدِ بعدِهِ، ولو قال: رمضانُ بعدَه طلقتْ في شعبان، ولو قال: بعدَ بعدِه طلقتْ في رجب، فإذا قال: بعدَ بعدِ بعدِهِ طلقتْ في جُمَادى الآخِرَةِ.

وإن اختلفتْ الألفاظُ -وهي في ستِّ مسائلَ- فضابطُها: أن كلَّ ما اجتمعَ فيه قل وبعد فألْغِهِما نحو: قبكَ بعده، وبعدَ قبلِهِ، واعْتبرِ الثالث، فإذا قال: قل بعدِ بعدِه، أو: بعدَ قبلِ قَبْلِهِ، فألغ اللَّفظين الأوَّلين يصير كأنه قال في الأول: بعدَه رمضانُ فيكون شعبانَ، (ق / 299 ب) وفي الثاني كأنه قال: قبْلَا رمضانُ فيكون شوال. وتقرير هذا (ظ/209 ب): أن كلَّ شهر واقع قبلَ ما هو يعدَه وبعدَ ما هو قبلَه.

وإن توسَّطت لفظةٌ بين مضادَّين لها نحو: قبل بعد قَبْله، وبعدَ قبلِ بعد، فألغِ اللَّفظينِ الأولَيْنِ، فيكون "شوَّالًا" في الصورة الأولى، كأنه قال: في شهر قبله رمضانَ، و"شعبانَ" في الثانية، كأنه قال: بعدَهُ رمضانُ.

وإذا قال: بعدَ بعدِ قبله، أو قبلَ قبْلِ بعدِهِ، وهما تمام الثمانية طلقتْ في الأولى في "شعبانَ"، كأنه قال: بعدَه رمضانُ، وفي الثانية في "شوال" كأنه قال: قبلَهُ رمضانُ.


بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (3/ 1234 - 1235)

*هذان البيتان وشرحهما ذكرهما شهاب الدين القرافي في "الفروق": (1/ 63 - 68) وذكر أنهما من نوادر الأبيات وأشرفها معنى وأدقها فهمًا وأغربها استنباطًا، ثم ذكر أنه يمكن أن يستخرج منهما سبع مئة مسألة وعشريك مسألة، وأن هذين البيتين قد وقعا للعلامة أبي عمرو بن الحاجب فأفتى فيهما، وذكر نص فتواه، ثم زاد عليه أمورًا لم يتعرض لها.
ونقل هذه الفائدة عن "البدائع" المرداوي في "الإنصاف": (9/ 47)، والبهوتي في "كشاف القناع": (5/ 283)، وذكرها جماعة من الحنفية في كتبهم. المحقق

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله