سورة الفاتحة وتضمنها لِلرَّدِّ عَلَى الرَّافِضَة

فصل في بيان تضمُّنها للرّدِّ على الرّافضة

وذلك من قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها. ‌ووجهُ ‌تضمُّنِه ‌إبطالَ ‌قولهم: ‌أنّه ‌سبحانه ‌قسم النّاسَ إلى ثلاثة أقسامٍ: منعَمٌ عليهم، وهم أهل الصِّراط المستقيم الذين عرفوا الحقَّ واتّبَعوه. ومغضوبٌ عليهم، وهم الذين عرفوا الحقّ ورفضوه. وضالُّون، وهم الذين أخطؤوه وجهلوه.

فكلُّ من كان أعرفَ بالحقِّ وأتبعَ له كان أولى بالصِّراط المستقيم. ولا ريب أنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذه الصِّفة من الرّوافض، فإنّه من المحال أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جهلوا الحقَّ وعرفه الرّوافضُ، أو رفضوه وتمسَّك به الرّوافض.

ثمّ إنّا رأينا آثار الفريقين تدلُّ على أهل الحقِّ منهما، فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الكفر وأقاموها بلاد إسلامٍ، وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى، فآثارُهم تدلُّ على أنّهم هم أهل الصِّراط.

المستقيم. ورأينا الرّافضةَ بالعكس في كلِّ زمانٍ، فإنّه قطُّ ما قام للمسلمين عدوٌّ من غيرهم إلّا كانوا أعوانهم على الإسلام. وكم جرُّوا على الإسلام وأهله من بليّةٍ! وهل عاثت سيوفُ المشركين عُبَّادِ الأصنام من عسكر هُلاكو أو ذويه إلّا من تحت رؤوسهم! وهل عُطِّلت المساجد، وحُرِّقت المصاحف، وقُتِلت سَرَواتُ المسلمين وعلماؤهم وعُبّادهم وخليفتهم إلّا بسببهم ومن جَرَّائهم! ومظاهرتهم للمشركين والنّصارى معلومةٌ عند الخاصّة والعامّة. وآثارهم في الدِّين معلومةٌ. فأيُّ الفريقين أحقُّ بالصِّراط المستقيم! وأيُّهم أحقُّ بالغضب والضّلال!.

ولهذا فسَّر السَّلفُ الصِّراط المستقيم وأهله بأبي بكرٍ وعمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو كما فسَّروه، فإنّه صراطهم الذي كانوا عليه، وهو عينُ صراط نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، وهم الذين أنعم الله عليهم، وغضب على أعدائهم وحكم لهم بالضّلال.

قال أبو العالية رُفَيعٌ الرِّياحيُّ والحسن البصريُّ رضي الله عنهما وهما من أجلِّ التابعين: الصِّراط المستقيم: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه.

وقال أبو العالية أيضًا في قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}: هم آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما. وهذا حقٌّ، فإنّ آله وأبا بكرٍ وعمر على طريقٍ واحدةٍ، ولا خلاف بينهم. وموالاةُ بعضهم بعضًا، وثناؤه عليه، ومحاربةُ من حاربه، ومسالمةُ من سالمه= معلومةٌ عند الأمّة خاصِّها وعامِّها.

وقال زيد بن أسلم: الذين أنعم عليهم هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما. ولا ريب أنّ المنعَم عليهم هم أتباعه، والمغضوب عليهم هم الخارجون عن اتِّباعه. وأتبَعُ الأمّة له وأطوَعُهم أصحابه وأهل بيته، وأتبَعُ الصّحابةِ له السَّمع والبصَر: أبو بكرٍ وعمر. وأشدُّ الأمّة مخالفةً له هم الرّافضة، فخلافُهم له معلومٌ عند جميع فِرَق الأمّة. ولهذا يُبغضون السُّنّة وأهلها، ويعادونها ويعادون أهلها. فهم أعداءُ سنّتِه وأهلِ بيته وأصحابه بالذات. فميراثُهم من أمَّتَي الغضب والضلال أتمُّ ميراث. وميراثُ أصحابه وأهل بيته وأتباعهم من نبيِّهم أكملُ ميراث، بل هم ورثته حقًّا.

فقد تبيَّن أنّ الصِّراط المستقيم طريق أصحابه وأتباعه، وطريقُ أهل الغضب والضّلال طريقُ الرّافضة.

وبهذه الطّريق بعينها يُرَدُّ على الخوارج، فإنَّ معاداتَهم للصَّحابة معروفةٌ.


مدارج السالكين (1/ 112 – 114 ط عطاءات العلم)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله