ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) [الحج: 26] لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفا، وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه وسلبت نفوسهم حبا له وشوقا إلى رؤيته؛ فهو المَثَابة للمحبين يثوبون إليه ولا يقضون منه وطرا أبدا، كلما ازدادوا له زيادة ازدادوا له حبا وإليه اشتياقا، فلا الوصال يشفيهم ولا البعاد يسلبهم كما قيل:
أطوف به والنفس بعد مشوقة ... إليه وهل بعد الطواف تداني
وألثم منه الركن أطلب برد ما ... بقلبي من شوق ومن هيمان
فو الله ما أزداد إلا صبابة ... ولا القلب إلا كثرة الخفقان
فيا جنة المأوى ويا غاية المنى ... ويا منيتي من دون كل أمان
أبت غلبات الشوق إلا تقربا ... إليك فما لي بالبعاد يدان
وما كان صدى عنك صد ملالة ... ولي شاهد من مقلني ولساني
دعوت اصطباري عنك بعدك والبكا ... فلبى البكا والصبر عنك عصاني
وقد زعموا أن المحب إذا نأى ... سيبلى هواه بعد طول زمان
ولو كان هذا الزعم حقا لكان ذا ... دواء الهوى في الناس كل أوان
بل إنه يبلى التصبر والهوى ... على حاله لم يبله الملوان
وهذا محب قاده الشوق والهوى ... بغير زمام قائد وعنان
أتاك على بعد المزار ولو ونت ... مطيته جاءت به القدمان
بدائع الفوائد (2/ 46)