والبشرى يراد بها أمران. أحدهما: بشارة المخبر. والثّاني: سرور المخبر. قال الله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64]. فُسِّرت البشرى بهذا وهذا. ففي حديث عُبادة بن الصّامت وأبي الدّرداء رضي الله عنهما، عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «هي الرُّؤيا الصّالحة يراها المسلم، أو تُرى له».
وقال ابن عبّاسٍ: بشرى الحياة الدُّنيا: هي عند الموت تأتيهم ملائكة الرّحمة بالبشرى من الله، وفي الآخرة: عند خروج نَفْس المؤمن إذا خرجت يعرجون بها إلى الله، تُزفُّ كما تُزفُّ العروس، تُبَشّر برضوان الله.
وقال الحسن: هي الجنّة. واختاره الزّجّاج والفرّاء.
وفُسِّرت بشرى الدُّنيا بالثّناء الحسن، يجري له على ألسنة النّاس.
وكلُّ ذلك صحيحٌ، فالثّناء من البُشرى، والرُّؤيا الصّالحة من البُشرى، وتبشير الملائكة له عند الموت من البُشرى، والجنّة فأعظم البُشرى. قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25]. وقال: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].
قيل: وسمِّيت بذلك لأنّها تؤثِّر في بشرة الوجه. ولذلك كانت نوعين: بُشرى سارّةٌ تُؤثِّر فيه نَضارةً وبهجةً، وبُشرى محزنةٌ تؤثِر فيه بُسورًا وعبوسًا. ولكن إذا أطلقت كانت للسُّرور. وإذا قُيِّدت كانت بحسب ما تقيّد به.
مدارج السالكين (4/ 9 – 11 ط عطاءات العلم)