ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيميّة - قدّس الله روحه - من ذلك أمرًا لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيرًا: ما لي شيء، ولا منِّي شيء، ولا فيَّ شيء. وكان كثيرًا ما يتمثَّل بهذا البيت:
أنا المكدِّي وابن المكدِّي … وهكذا كان أبي وجدِّي
وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: والله إنِّي إلى الآن أجدِّد إسلامي كلَّ وقتٍ، وما أسلمت بعدُ إسلامًا جيِّدًا.
وبعث إليَّ في آخر عمره قاعدةً في التّفسير بخطِّه، وعلى ظهرها أبياتٌ بخطِّه من نظمه:
أنا الفقير إلى ربِّ البريَّات … أنا المُسيكين في مجموع حالاتي
أنا الظَّلوم لنفسي وهي ظالمتي … والخير إن يأتنا من عنده يأتي
لا أستطيع لنفسي جلب منفعةٍ … ولا عن النفس في دفع المضرّات
وليس لي دونه مولًى يدبِّرني … ولا شفيعٌ إلى رب السماوات
ولست أملك شيئًا دونه أبدًا … ولا شريكٌ أنا في بعض ذرّاتِ
ولا ظهيرَ له كي أستعينَ به … كما يكون لأرباب الولايات*
والفقر لي وصف ذات لازم أبدا ... كما الغنى أبدا وصف له ذاتي
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ... وكلهم عنده عبد له آتي
فمن بغى مطلبا من دون خالقه ... فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي
والحمد لله ملء الكون أجمعه ... ما كان منه وما من بعده ياتي
ثم الصلاة على المختار من مضر ... خير البرية من ماض ومن آتي
مدارج السالكين (2/ 199 ط عطاءات العلم)
*ذكر ابن القيم الستة الأبيات الأولى، وتكملتها من العقود الدرية لابن عبد الهادي (ص: 391).