من فتاوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج

فصل

وسَأَلَتْهُ صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فقالت: نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال: «لكنَّ أفضل الجهاد وأجمله حجٌّ مبرورٌ». ذكره البخاري. وزاد أحمد: «هو لكُنَّ جهاد».

وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة: ما يعدل حَجَّةً معك؟ فقال: «عمرة في رمضان». ذكره أحمد، وأصله في «الصحيح».

وسألته صلى الله عليه وسلم أم معقل، فقالت: يا رسول الله، إنَّ عليَّ حَجَّةً، وإنَّ لأبي معقل بَكْرًا. فقال أبو معقل: صدقَتْ، قد جعلتُه في سبيل الله. فقال: «أعطِها فَلْتَحُجَّ عليه، فإنه في سبيل الله». فأعطاها البكر، فقالت: يا رسول الله، إنِّي امرأة قد كبرتْ سنِّي وسقِمتُ، فهل من عمل يجزئ عني من حَجَّتي؟ فقال: «عمرة في رمضان تجزئ حجَّة». ذكره أبو داود.

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أُكري في هذا الوجه، وكان الناس يقولون: ليس لك حجٌّ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، فأرسل إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه، وقال: «لك حجٌّ». ذكره أبو داود.

وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الحجِّ أفضل؟ قال: «العَجُّ والثَّجُّ». فقيل: ما الحاج؟ قال: «الشَّعِثُ التَّفِل». قال: ما السبيل؟ قال: «الزاد والراحلة». ذكره الشافعي.

وسئل صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: «لا. وإن تعتمر فهو أفضل». قال الترمذي: صحيح.

وعند أحمد أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: «لا. وأن تعتمروا خير لكم».

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن أبي أدركه الإسلام، وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرَّحل، والحجُّ مكتوبٌ علينا، أفأحُجُّ عنه؟ قال: «أنت أكبر ولده؟». قال: نعم. قال: «أرأيتَ لو كان على أبيك دينٌ، فقضيته عنه، أكان ذلك يُجزئ عنه؟». قال: نعم. قال: «فحُجَّ عنه». ذكره أحمد.

وسأله صلى الله عليه وسلم أبو رَزِين فقال: إنَّ أبي شيخ كبير لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظَّعْنَ، فقال له: «حُجَّ عن أبيك، واعتمِرْ». قال الدارقطني: إسناده كلُّهم ثقات.

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن أبي مات ولم يحجَّ، أفأحجُ عنه؟ فقال: «أرأيت إن كان على أبيك دَين، أكنتَ قاضيه؟». قال: نعم قال: «فدَين الله أحقُّ» ذكره أحمد.

وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إنَّ أمي ماتت ولم تحجَّ، أفأحجُّ عنها؟ قال: «نعم، حُجِّي عنها». حديث صحيح.

وعند الدارقطني أنَّ رجلًا سأله، فقال: هلك أبي ولم يحُجَّ، قال: «أرأيتَ لو كان على أبيك دَين، فقضيتَه، أيُقبَل منك؟» قال: نعم. قال: «فاحجُجْ عنه». وهو يدل على أن السؤال والجواب إنما كانا عن القبول والصحة، لا عن الوجوب. والله أعلم.

وأفتى صلى الله عليه وسلم رجلًا سمعه يقول: لبيَّك عن شُبْرُمة، قريبٍ له، فقال: «أحججتَ عن نفسك؟» قال: لا. قال: «حُجَّ عن نفسك، ثم حُجَّ عن شبرمة». ذكره الشافعي وأحمد.

وسألته امرأة عن صبيٍّ رفعته إليه، فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: «نعم، ولك أجر». ذكره مسلم.

وسأله رجل، فقال: إن أختي نذرت أن تحُجَّ، وإنها ماتت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كان عليها دَين أكنت قاضيَه؟» قال: نعم. قال: «فاقض الله فهو أحقُّ بالقضاء». متفق عليه.

وسئل: ما يلبس المحرم في إحرامه؟ فقال: «لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا البُرْنُس، ولا السراويل، ولا ثوبًا مسَّه وَرْسٌ ولا زعفران، ولا الخفَّين، إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين» متفق عليه.

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عليه جبَّة، وهو مضمَّخ بالخَلوق، فقال: أحرمتُ بعمرة، وأنا كما ترى، فقال: «انزع عنك الجبَّة، واغسل عنك الصفرة». متفق عليه. وفي بعض طرقه: «واصنع في عمرتك ما تصنع في حجَّتك».

وسأله صلى الله عليه وسلم أبو قتادة عن الصيد الذي صاده وهو حلال، فأكل أصحابه منه وهم مُحْرِمون، فقال: «هل معكم منه شيء؟»، فناوله العضد، فأكلها وهو مُحرم. متفق عليه.

وسئل صلى الله عليه وسلم عما يقتل المُحْرِم، فقال: «الحية، والعقرب، والفُوَيْسِقة، والكلب العقور، والسبع العادي». زاد أحمد: «ويُرمى بالغراب ولا يُقتل».

وسألته صلى الله عليه وسلم ضُباعة بنت الزبير، فقالت: إني أريد الحج وأنا شاكية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُجِّي واشترِطي أنَّ محِلِّي حيث حبستَني». ذكره مسلم.

واستفتته أمُّ سلمة في الحجِّ، وقالت: إني أشتكي، فقال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة».

وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة، فقالت: يا رسول الله ألا أدخل البيت، فقال: «ادخلي الحِجْرَ، فإنه من البيت».

واستفتاه صلى الله عليه وسلم عروة بن مضرِّس، فقال: يا رسول الله جئتُ من جبلي طيئ، أذللتُ مطيتي، وأتعبتُ نفسي، والله ما تركتُ من حَبْل إلا وقفت عليه، هل لي من حجٍّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك معنا هذه الصلاة ــ يعني صلاة الفجر ــ وأتى عرفاتَ قبل ذلك ليلًا أو نهارًا تمَّ حجُّه وقضى تفثَه». حديث صحيح.

واستفتاه صلى الله عليه وسلم ناس من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحجُّ؟ فقال: «الحجُّ عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر [ليلةَ جَمْعٍ فقد تمَّ حجُّه. أيام منًى ثلاثة، فمن تعجَّلَ في يومين فلا إثم عليه]، ومن تأخَّر فلا إثم عليه»، ثم أردف رجلًا خلفه ينادي بهن. ذكره أحمد.

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: لم أشعر فحلقتُ قبل أن أذبح، فقال: «اذبح ولا حرَج». وسأله صلى الله عليه وسلم آخر، فقال: لم أشعر فنحرتُ قبل أن أرمي، فقال: «ارمِ ولا حرج». فما سئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن شيء قدِّم ولا أخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج». متفق عليه.

وعند أحمد: فما سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض وأشباهها إلا قال: «افعل ولا حرج». وفي لفظ: حلقت قبل أن أنحر، قال: «اذبح ولا حرج». وسأله صلى الله عليه وسلم آخر قال: حلقتُ ولم أرم، قال: «ارمِ ولا حرج». وفي لفظ: أنه سئل عمن ذبح قبل أن يحلق أو حلق قبل أن يذبح قال: «لا حرج». وكان الناس يأتونه، فمن قائلٍ: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، وأخَّرت شيئًا وقدَّمت شيئًا، فكان يقول: «لا حرج إلا على رجلٍ اقترض عِرضَ مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حَرِجَ وهَلَك». ذكره أبو داود.

وأفتى صلى الله عليه وسلم كعب بن عُجْرة أن يحلِقَ رأسه وهو مُحْرم لأذى القَمْل: أن ينسُك بشاة، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام. وأفتى صلى الله عليه وسلم من أهدى بدنةً أن يركبها. متفق عليهما.

وسأله صلى الله عليه وسلم ناجية الخُزاعي: ما يصنع بما عَطِب من الهدي؟ فقال: «انحَرْها، واغمِسْ نعلها في دمها، واضرب به صفحتها، وخلِّ بينها وبين الناس فيأكلوها، ولا يأكل منه هو ولا أحد من أهل رُفقته».

وسأله عمر فقال: إني أَهدَيتُ نجيبًا، فأُعطيتُ بها ثلاثمائة دينار، فأبيعها فأشتري بها بُدْنًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، انحرها إياها».

وسأله صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم: ما هذه الأضاحي؟ فقال: «سنة أبيكم إبراهيم». قالوا: فما لنا منها؟ قال: «بكلِّ شعرة حسنة». قالوا: يا رسول الله فالصوف؟ قال: «بكلِّ شعرة من الصوف حسنة». ذكره أحمد.

وسأله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عن يوم الحج الأكبر، فقال: «يوم النحر». ذكره الترمذي.

وعند أبي داود بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجَّة التي حجَّ فيها، فقال: «أي يوم هذا؟». قالوا: يوم النحر. فقال: «هذا يوم الحجِّ الأكبر».

وقد قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3]. وإنما أذَّن المؤذِّن بهذه البراءة يوم النحر، وثبت في «الصحيح» عن أبي هريرة أنه قال: يوم الحج الأكبر يوم النحر.

وأفتى صلى الله عليه وسلم أصحابه بجواز فسخهم الحجَّ إلى العمرة، ثم أفتاهم باستحبابه، ثم أفتاهم بفعله حتمًا. ولم ينسخه شيء بعده. والذي ندين الله به أن القول بوجوبه أقوى وأصحُّ من القول بالمنع منه. وقد صح عنه صحةً لا شك فيها أنه قال: «من لم يكن أهدى فَلْيُهِلَّ بعمرة، ومن كان أهدى فَلْيُهِلَّ بحجٍّ مع عمرة». وأما ما فعله هو فإنه صحَّ عنه أنه قرَن بين الحج والعمرة من بضعة وعشرين وجهًا. رواه عنه ستة عشر نفسًا من أصحابه. ففعل القِرانَ، وأمر بفعله من ساق الهدي، وأمر بفسخه إلى التمتُّع من لم يسُق الهدي. وهذا من فعله وقوله كأنه رأي عين. وبالله التوفيق.

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: أرأيتَ إن لم أجد إلا منيحةً أنثى، أفأضحِّي بها؟ قال: «لا، ولكن خُذ من شعرك وأظفارك، وتقُصُّ شاربك، وتحلِق عانتك. فذلك تمام أضحيتك عند الله». ذكره أبو داود.

والمنيحة: الشاة التي أعطاه إياها غيرُه لينتفع بلبنها، فمنعت من التضحية بها لأنها ليست ملكه. وإن كان قد منحها هو غيره وقتًا معلومًا لزم الوفاء له بذلك، فلا يضحِّي بها أيضًا.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعةً من أصحابه كانوا معه، فأخرج كلُّ واحد منهم درهمًا، فاشتروا أضحية، فقالوا: يا رسول الله لقد أغلينا بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها». فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رَجُلٌ برِجْلٍ، ورجلٌ برِجْلٍ، ورجُلٌ بيد، ورجُلٌ بيد، ورجُلٌ بقَرْن، ورجُلٌ بقَرْن، وذبحها السابع، وكبَّروا عليها جميعًا. ذكره أحمد.

نزل هؤلاء النفر منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم، لأنهم كانوا رفقة واحدة.

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إنَّ عليَّ بدنة، وأنا موسِرٌ بها، ولا أجدها فأشتريها. فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبعَ شياهٍ، فيذبحهن. ذكره أحمد.

وسأله صلى الله عليه وسلم زيد بن خالد عن جَذَعٍ من المعز، فقال: «ضحِّ به». ذكره أحمد.

وسأله صلى الله عليه وسلم أبو بُردة بن نِيار عن شاة ذبحها يوم العيد فقال: «أَقَبْل الصلاة؟»، قال: نعم. قال: «تلك شاةُ لحمٍ». قال: عندي عَنَاقٌ جَذَعة هي أحبُّ إليَّ من مُسِنَّة. قال: «تجزئ عنك، ولن تجزئ عن أحد بعدك». ذكره أحمد. وهو صحيح صريح في أن الذبح قبل الصلاة لا يجزئ، سواء دخل وقتها أو لم يدخل. وهذا الذي ندين الله به قطعًا، ولا يجوز غيره.

وفي «الصحيحين» من حديث جُنْدَب بن سفيان البَجَلي عنه صلى الله عليه وسلم: «من كان ذبَح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى. ومن لم يكن ذبح حتى صلَّينا فليذبح باسم الله».

وفي «الصحيحين» من حديث أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان ذبح قبل الصلاة فَلْيُعِدْ». ولا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسأله صلى الله عليه وسلم أبو سعيد، فقال: اشتريتُ كبشًا أضحِّي به، فعدا الذئب، فأخذ أَلْيَتَه، فقال: «ضحِّ به». ذكره أحمد.


إعلام الموقعين عن رب العالمين (٥/ ٢٥٩ - ٢٧١ ط عطاءات العلم)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله