وكذلك أيضًا قد يَعْرِضُ للعبد حاجةٌ ضرورية إذا اشتغل عن سؤالها بقراءةٍ أو ذِكْرٍ لم يَحْضُرْ قلبُه فيها، وإذا أقبل على سؤالها والدعاء لها اجتمع قلبه كله على الله تعالى، وأحدث له تضرُّعًا وخشوعًا وابتهالًا، فهذا قد يكون اشتغاله بالدعاء -والحالة هذه- أنفعُ، وإن كان كلٌّ من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجرًا .
وهذا بابٌ نافعٌ يحتاج إلى فِقْه نَفْسٍ، وفُرْقانٍ بين فضيلة الشيء في نفسه وبين فضيلته العارضة، فَيُعْطَى كلُّ ذي حقٍّ حقَّه، ويُوضَعُ كلُّ شيءٍ مَوْضِعَه.
فَلِلْعَيْنِ موضع، ولِلرِّجْل موضع، وللماء موضع، ولِلَّحْمِ موضع، وحفظُ المراتب هو من تمام الحكمة التي هي نِظامُ الأمر والنهي، والله تعالى الموفق.
وهكذا الصابون والأُشنان أنفع للثوب في وقتٍ، والتجميرُ وماءُ الورد أنفع له في وقت.
وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سُئِل بعض أهل العلم : أيما أنفع للعبد، التسبيح أو الاستغفار؟
فقال: إذا كان الثوب نقيًّا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دَنِسًا فالصابون والماء الحارُّ أنفع له. فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دَنِسة.
الوابل الصيب (ص: ٢٣٢ - ٢٣٣)