وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى إلى الجدار جعل بينه وبينه قدر ممَرِّ الشاة. ولم يكن يتباعد منه، بل أمَر بالقرب من السترة. وكان إذا صلَّى إلى عود أو عمود أو شجرة جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولم يصمُد له صَمْدًا. وكان يركُز الحَرْبة في السَّفر والبرِّيَّة، فيصلِّي إليها فتكون سترته. وكان يعرِّض راحلته، فيصلِّي إليها. وكان يأخذ الرَّحْلَ فيعدِّله، فيصلِّي إلى آخرته، وأمر المصلِّيَ أن يستتر ولو بسهم أو عصًا، فإن لم يجد فليخُطَّ خطًّا بالأرض.
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الخَطُّ عرضًا مثل الهلال. وقال عبد الله بن داود: الخَطُّ بالطول. وأما العصا، فتُنْصَب نصبًا.
فإن لم تكن سترةٌ فإنه صحَّ عنه أنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود. ثبت ذلك عنه من رواية أبي ذرٍّ وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن مغفَّل.
ومُعارض هذه الأحاديث قسمان: صحيحٌ غير صريح، وصريحٌ غير صحيح، فلا يُترَك لمعارضٍ هذا شأنه. وكان يصلِّي وعائشة نائمةٌ في قبلته، وذلك ليس كالمارِّ، فإنَّ الرَّجل يحرم عليه المرورُ بين يدي المصلِّي، ولا يُكرَه له أن يكون لابثًا بين يديه. وهكذا المرأة يقطع مرورُها الصلاة، دون لبثها. والله أعلم.
زاد المعاد (1/ 354 – 356 ت عطاءات العلم)