فائدة لطيفة في قوله تعالى: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)

قوله تعالى: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين: ٢٧- ٢٨]

التسنيم أعلى أشربه الجنة. فأخبر سبحانه أن مزاج شراب الأبرار من التسنيم، وأن المقربين يشربون منه بلا مزاج، ولهذا قال: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين: ٢٨]، كما قال تعالى في سورة الإنسان سواء.

قال ابن عباس وغيره: يشرب بها المقربون صرفا، ويمزج لأصحاب اليمين مزجا.

وهذا لأن الجزاء وفاق العمل، فكما خلصت أعمال المقربين كلها لله خلُص شرابهم، وكما مزج الأبرار الطاعات بالمباحات مُزج لهم شرابهم، فمن أخلص أُخلِص شرابه، ومن مَزج مُزج شرابه

يا لاهيا في غمرة الجهل والهوي *** صريعا على فرش الردى يتقلب

تأمل- هداك الله- ما ثَمّ وانتبه *** فهذا شراب القوم حقا يركب

وتركيبه في هذه الدار إن تَفُت *** فليس له بعد المنية مطلب

 فيا عجبا من مُعرض عن حياته *** وعن حظه العالي ويلهو ويلعب

ولو علم المحروم أي بضاعة *** أضاع لأمسى قلبه يتلهّب

فإن كان لا يدرى فتلك مصيبة *** وإن كان يدرى فالمصيبة أصعب

بلى سوف يدرى حين ينكشف الغطا *** ويصبح مسلوبا ينوح ويندب

ويعجب ممن باع شيئا بدون ما *** يساوى بلا علم وأمرك أعجب

لأنك قد بعت الحياة وطيبها *** بلذة حلم عن قليل سيذهب

فهلا عكست الأمر إن كنت حازما *** ولكن أضعت الحزم والحكم يغلب

تصدُّ وتنأى عن حبيبك دائما *** فأين عن الأحباب ويحك تذهب

ستعلم يوم الحشر أى تجارة *** أضعت إذا تلك الموازين تنصب


طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: ١٩٦)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله