الزهد ثلاثة أنواع: زهد العوام وزهد الخواص وزهد العارفين

وقد قال الإمام أحمد بن حنبلٍ رحمه الله: الزُّهد على ثلاثة أوجهٍ: ترك الحرام، وهو زهد العوامِّ. والثاني: ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواصِّ. والثالث: ترك ما يَشْغَل عن الله، وهو زهد العارفين.

وهذا الكلام من الإمام أحمد يأتي على جميع ما تقدَّم من كلام المشايخ رضي الله عنهم، مع زيادة تفصيله وتبيين درجاته. وهو من أجمع الكلام، وهو يدلُّ على أنَّه رضي الله عنه من هذا العلم بالمحلِّ الأعلى. وقد شهد له الشافعيُّ رحمه الله بإمامته في ثمانية أشياءَ أحدها الزُّهد.

والذي أجمع عليه العارفون أن الزُّهد سفر القلب من وطن الدُّنيا وأَخْذُه في منازل الآخرة. وعلى هذا صنَّف المتقدِّمون كتب الزُّهد. كـ «الزُّهد» لعبد الله بن المبارك، وللإمام أحمد، ولوكيع، ولهنَّاد بن السَّرِيِّ، ولغيرهم.

ومتعلَّقه ستَّة أشياء، لا يستحقُّ العبد اسم الزهد حتَّى يزهد فيها، وهي: المال، والصُّور، والرِّياسة، والناس، والنفس، وكلُّ ما دون الله. وليس المراد رفضها من الملك. فقد كان سليمان وداود من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والنِّساء والملك ما لهما. وكان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوةٍ. وكان علي بن أبي طالبٍ وعبد الرّحمن بن عوفٍ والزُّبير وعثمان من الزُّهَّاد مع ما لهم من الأموال. وكان الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما من الزهاد مع أنَّه كان من أكثر الأمَّة محبةً للنِّساء ونكاحًا لهنَّ وأغناهم. وكان عبد الله بن المبارك من أئمة الزُّهَّاد مع مالٍ كثيرٍ. وكذلك اللَّيث بن سعدٍ وسفيان من أئمَّة الزهَّاد، وكان له رأس مالٍ؛ يقول: لولا هو لتَمنْدَلَ بنا هؤلاء.


مدارج السالكين (2/ 223 – 224 ط عطاءات العلم)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله