الفرقُ بين المهابةِ والكِبْر

والفرقُ بين المهابةِ والكِبْر: أن المهابة أثرٌ من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلالهِ، فإذا امتلأ القلبُ بذلك حلَّ فيه النورُ، ونزلت عليه السكينة، وأُلبِسَ رداءَ الهيبة، فاكتسى وجهُه الحلاوة والمهابة، فأخذ بمجامع القلوب محبةً ومهابةً، فحنَّت إليه الأفئدة، وقرَّت به العيون، وأنِست به القلوب. فكلامه نورٌ، ومدخله نورٌ، ومخرجَه نورٌ، وعمله نورٌ. إن سكَت علاه الوقار، وإن تكلَّم أخذ بالقلوب والأسماع.

وأما الكبر، فأثرٌ من آثار العُجب والبغي من قلبٍ قد امتلأ بالجهل والظلم، ترحَّلت منه العبودية، ونزل عليه المقتُ؛ فنظرُه إلى الناس شَزْر، ومشيُه بينهم تبختُر، ومعاملتُه لهم معاملةُ الاستئثار، لا الإيثار ولا الإنصاف. ذاهبٌ بنفسه تِيهًا، لا يبدأ من لَقِيه بالسلام، وإن ردَّ عليه رأى أنه قد بالغَ في الإنعام عليه. لا ينطلق لهم وجهُه، ولا يسعهم خلقُه. لا يرى لأحدٍ عليه حقًّا، ويرى حقوقَه على الناس، ولا يرى فضلَهم عليه، ويرى فضلَه عليهم. لا يزداد من الله إلَّا بُعدًا، ولا من الناس إلا صَغارًا وبغضًا.


الروح - ابن القيم (2/ 662 - 663 ط عطاءات العلم)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله