والفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: أنَّ أولياء الرحمن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، هم الذين آمنوا وكانوا يتقون. وهم المذكورون في أول سورة البقرة إلى قوله: (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [2 ــ 5]، وفي وسطها في قوله: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إلى قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [177]، وفي أول الأنفال إلى قوله: (لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [1 - 4]، وفي أول سورة المؤمنين إلى قوله: (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [1 ــ 11]، وفي آخر سورة الفرقان، وفي قوله: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) إلى آخر الآية [الأحزاب: 35]، وفي قوله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس: 62 - 63]، وفي قوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52]، وفي قوله: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) إلى قوله: (فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) [المعارج: 22 ــ 35]، وفي قوله: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ) إلى آخر الآية [التوبة: 112].
فأولياء الرحمن هم: المخلصون لربِّهم، المحكِّمون لرسوله في الدِّقِّ والجِلِّ، الذين يخالفون غيرَه لسنَّته، ولا يخالفون سنَّتَه لغيرها. فلا يبتدعون، ولا يدعون إلى بدعة، ولا يتحيَّزون إلى فئةٍ غير الله ورسوله وأصحابه، ولا يتخذون دينهم لهوًا ولعبًا، ولا يستحبُّون سماع الشيطان على سماع القرآن، ولا يؤثرون صحبة الأنْتَان على مرضاة الرحمن، ولا المعازف والمثاني على السبع المثاني.
برئنا إلى الله مِن معشَرٍ … بهم مرَضٌ مُورِدٌ لِلضَّنَى
وكم قلتُ يا قومُ أنتم على … شَفا جُرُفٍ من سماع الغِنا
فلما استهانوا بتنبيهنا … تركنا غويًّا وما قد جَنى
وهل يستجيبُ لداعي الهدَى … غويٌّ أصارَ الغنا دَيدَنا
فعِشنا على مِلَّة المصطفَى … وماتوا على تاننا تنتنا
ولا يشتبه أولياء الرحمن بأولياء الشيطان إلا على فاقد البصيرة والإيمان. وأنَّى يكون المُعرِضون عن كتابه وهدي رسوله وسُنَّته المخالفون له إلى غيره أولياءَه، وقد ضربوا لمخالفته جأشًا، وعدلوا عن هدي نبيه وطريقته؟ (وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الأنفال: 34]. فأولياء الرحمن: المتلبِّسون بما يُحبُّه وليُّهم، الداعون إليه، المحاربون لمن خرج عنه. وأولياء الشيطان: المتلبِّسون بما يُحبُّه وليُّهم قولًا وعملًا، يدعون إليه، ويحاربون من نهاهم عنه.
فإذا رأيت الرجل يحب السماعَ الشيطاني ومؤذنَ الشيطان وإخوانَ الشياطين، ويدعو إلى ما يحبه الشيطان من الشرك والبدع والفجور= علمتَ أنه من أوليائه. فإن اشتبه عليك، فاكشِفْه في ثلاثة مواطن: في صلاته ومحبته للسنة وأهلها وتقرُّبه منهم، ودعوته إلى الله ورسوله وتجريدِ التوحيد والمتابعة وتحكيمِ السنَّة. فزِنْه بذلك، لا تزِنْه بحالٍ ولا كشفٍ ولا خارقٍ، ولو مشى على الماء وطار في الهواء!
الروح - ابن القيم (2/ 735 – 739 ط عطاءات العلم)