ليس في الوجود الممكن سببٌ واحدٌ مستقلٌّ بالتأثير، بل لا يُؤثِّرُ سببٌ البتةَ إلا بانضمامِ سببٍ آخر إليه وانتفاءِ مانع يمنعُ تأثيرهُ. هذا في الأسباب المشهودة بالعيان وفي الأسباب الغائبة والأسباب المعنويَّةِ؛ كتأثير الشمس في الحيوان والنباتِ؛ فإنَّه موقوفٌ على أسباب أخر من وجود محلٍّ قابل وأسبابٍ أخَرَ تنضمُّ إلى ذلك السبب، وكذلك حصولُ الولد موقوفٌ على عدةِ أسَبابٍ غيرِ وطءِ الفَحْل، وكذلك جميعُ الأسباب مع مسبَّباتها. فكل ما يُخافُ ويُرْجَى من المخلوقاتِ؛ فأعلى غاياتِهِ أن يكون جزءَ سببٍ غيرَ مستقلٍّ بالتأثيرِ.
ولا يَستقلُّ بالتأثيرِ وحدَه دون توقُّفِ تأثيرِهِ على غيرِهِ إلَّا اللهُ الواحدُ القَهَّارُ؛ فلا ينبغي أن يُرْجى ولا يُخافَ غيرُهُ.
وهذا برهانٌ قطعيٌّ على أنَّ تعلُّق الرجاء والخوف بغيره باطلٌ؛ فإنَّه لو فُرض أنَّ ذلك سببٌ مستقلٌّ وحدَه بالتأثير لكانتْ سببيَّتُهُ من غيرِهِ لا منه، فليس لهُ من نفسِهِ قوةٌ يَفْعَلُ بها؛ فإنَّه لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله؛ فهو الذي بيدِهِ الحَوْلُ كلُّه والقوةُ كلُّها؛ فالحولُ والقوةُ التي يُرْجى لأجلِهِما المخلوقُ ويُخافُ إنَّما هما لله وبيدِهِ في الحقيقة؛ فكيف يُخافُ ويُرْجى من لا حولَ له ولا قوة؟!
بل خوفُ المخلوقِ ورجاؤُهُ أحدُ أسبابِ الحرمانِ ونزولِ المكروهِ بمَن يرجوهُ ويخافهُ؛ فإنَّه على قَدْرِ خوفِكَ من غيرِ الله يُسَلَّطُ عليك، وعلى قَدْرِ رجائِكَ لغيرِهِ؛ يكون الحرمانُ.
وهذا حالُ الخلقِ أجمعِهِ، وإن ذهب عن أكثرهم علمًا وحالًا؛ فما شاء اللهُ كان ولا بدَّ، وما لم يشأْ لم يكن ولو اتَّفَقَتْ عليه الخليقةُ.
الفوائد - ط عطاءات العلم (ص: 71)