وأمَّا قولك: للعرش سبعة معانٍ أو نحوها، وللاستواء خمسة معانٍ. فتلبيسٌ منك، وتمويهٌ على الجُهال، وكذبٌ ظاهرٌ؛ فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلَّا معنًى واحد، وإن كان للعرش من حيث الجملة عدة معانٍ، فاللام للعهد، وقد صار بها العرشُ مُعَيَّنًا، وهو عرش الربِّ جل جلاله الذي هو سَرِير مُلكه، الذي اتفقت عليه الرُّسل، وأقرَّت به الأُمم إلَّا مَن نابَذَ الرُّسلَ.
وقولك: الاستواء له عدَّة معانٍ. تلبيسٌ آخر؛ فإن الاستواء المُعدَّى بأداة «على» ليس له إلَّا معنًى واحد. وأمَّا الاستواء المطلق فله عدة معانٍ فإن العرب تقول: استوى كذا: إذا انتهى وكملَ. ومنه قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاَسْتَوَى) [القصص: 13]. وتقول: استوى وكذا: إذا ساواه، نحو قولهم: استوى الماءُ والخشبةُ، واستوى الليلُ والنهارُ. وتقول: استوى إلى كذا: إذا قصدَ إليه عُلوًّا وارتفاعًا، نحو: استوى إلى السطح والجبل. واستوى على كذا أي: إذا ارتفع عليه وعلا عليه. لا تعرف العربُ غيرَ هذا.
فالاستواء في هذا التركيب نَصٌّ لا يحتمل غيرَ معناه، كما هو نصٌّ في قوله: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاَسْتَوَى) [القصص: 13] لا يحتمل غيرَ معناه، ونصٌّ في قولهم: «استوى الليلُ والنهارُ» في معناه لا يحتمل غيره. فدعوا التلبيس فإنه لا يُجدِي عليكم إلَّا مقتًا عند الله وعند الذين آمنوا.
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (1/ 36- 37)