الفرق بين الحكم المنزل الواجب الِاتِّبَاع والحكم المؤول الذي غايته أن يكون جائز الِاتِّبَاع: أن الحكم المنزل هو الذي أنزله الله على رسوله وحكم به بين عباده، وهو حكمه الذي لا حكم له سواه.
وأما الحكم المؤول: فهو أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتّباعها، ولا يكفر ولا يفسق من خالفها؛ فإن أصحابها لم يقولوا هذا حكم الله ورسوله؛ بل قالوا: اجتهدنا برأينا فمن شاء قبله ومن شاء لم يقبله، ولم يلزموا به الأمة؛ بل قال أبو حنيفة: هذا رأي فمن جاءني بخير منه قبلناه، ولو كان هو عين حكم الله لما ساغ لأبى يوسف ومحمد وغيرهما مخالفته فيه.
وكذلك مالك استشاره الرشيد أن يحمل الناس على ما في الموطأ فمنعه من ذلك، وقال: قد تفرق أصحاب رسول الله في البلاد، وصار عند كل قوم علم غير ما عند الآخرين.
وهذا الشافعي ينهى أصحابه عن تقليده ويوصيهم بترك قوله إذا جاء الحديث بخلافه، وهذا الإمام أحمد يُنكر على من كتب فتاواه ودوّنها، ويقول: لا تقلدني ولا تقلد فلاناً ولا فلاناً وخُذ من حيث أخذوا.
ولو علموا رضي الله عنهم أن أقوالهم يجب اتّباعها لحرّموا على أصحابهم مخالفتهم، ولما ساغ لأصحابهم أن يُفتوا بخلافهم في شيء، ولما كان أحدهم يقول القول ثم يفتي بخلافه فيروي عنه في المسألة القولان والثلاثة وأكثر من ذلك؛ فالرأي والاجتهاد أحسن أحواله أن يسوغ اتّباعه، والحكم المنزل لا يحل لمسلم أن يخالفه ولا يخرج عنه.
وأما الحكم المبدّل وهو الحكم بغير ما أنزل الله فلا يحل تنفيذه ولا العمل به، ولا يسوغ اتّباعه، وصاحبه بين الكفر والفسوق والظلم.
الروح (ص: 266)