بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبعد.. كما هو معلوم عند أهل العلم المعاصرين أن الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد - عضو هيئة كبار العلماء - من العلماء الذين عملوا على كتب ابن القيم - رحمه الله تعالى - دهرا من الزمن ، وله مؤلفاتٌ نفيسةٌ في نشر علم الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - ومما ألف :
1 - ابن قيِّم الجوزية . حَياته . آثاره . موارده. - مجلد واحد .
2 - التقريبُ لعلوم ابن القيم - مجلد واحد .
3 - الحدود والتعزيرات عند ابن القيم . دراسة وموازنة - مجلد واحد .
4 - أحكام الجناية على النفس وما دُونها عند ابن قيم الجوزية . دراسة وموازنة - مجلد واحد .
وقد ذكر من ضمن مؤلفات ابن القيم في كتاب ابن قيم الجوزية ، حياته . آثاره . موارده . كتاب " الروح " ، وتطرق إلى مسألة نسبة كتاب " الروح " إلى ابن القيم - رحمه الله - فقال ما نصه :
- توثيق نسبة الكتاب إلى ابن القيم :
وقد انتشر على ألسنة بعض طلاب العلم أن كتاب " الروح " ليس لابن القيم أو أنه ألفه قبل اتصاله بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
هذا ما تناقلته الألسن ومر على الأسماع في المجالس والمباحثات ولم أر ذلك مدونا في كتاب ، ولعل شيئا من ذلك قد دون ولكن لم يتيسر الوقوف عليه .
لهذا فقد اندفعت إلى قراءة الكتاب من أوله إلى آخره قراءة المتأمل الفاحص ، فتحصل لي أن هذه نتائج موهومة سبيلعا النقض ونهايتها الرفض المحض . وأنها إنما انتشرت من غير دراسة ولا تحقيق . وأن من يدرس الكتاب يظفر بالنتيجتين الآتيتين:
الأولى : أن الكتاب لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى ولا شك في هذا .
الثانية : أنه إنما ألفه بعد اتصاله بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
وقد رأيت أن أوضح التدليل على هاتين النتيجتين على ما يلي :
أولا : توثيق نسبة كتاب " الروح " لابن القيم رحمه الله تعالى .
1 - أن طائفة من كبار المترجمين له كابن حجر ومن بعده كما تقدم ذكروا هذا الكتاب في مؤلفاته ولم يتعقبوه بشيء .
2 - أن ابن القيم رحمه الله تعالى قد أشار إليه في كتاب " جلاء الأفهام "في الباب السادس في معرض ذكره لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (1) : " إذا خرجت روح المؤمن ... " الحديث فقال : وقد استوعبت الكلام على هذا الحديث وأمثاله في كتاب الروح .
والمؤلف قد استوفي الكلام على هذا الحديث وامثاله في كتاب الروح المطبوع (2) .
3 - أن هذا الكتاب قد شهد العلامة البقاعي (3) تلميذ الحافظ ابن حجر أنه من تأليف ابن القيم رحمه الله فإنه قد اختصره بكتاب سماه " سر الروح " بنحو نصف الأصل .
4 - أنه أشار في نفس الكتاب إلى كتابه الكبير في معرفة الروح والنفس ، وهذا الكتاب قد ذكره المؤلف أيضا في كتاب " جلاء الأفهام " .
كما ذكر فيه أيضا كتاب الروح .
وذكر كتابه الكبير في " معرفة الروح والنفس " أيضا في كتابه " مفتاح دار السعادة " ويأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى .
5 - أنه في نحو عشرة مواضع من الكتاب ذكر شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، مستشهدا بأقواله وذاكرا لاختيارته على عادته المألوفة في عامة مؤلفاته .
6 - كما نقل عن شيخه أبي الجاج (4) المزي . وهو من شيوخه وكثيرا ما يعتمده في عامة مصنفاته لاسيما في الفوائد الحديثية .
7 - أن الناظر في أي مسألة من مسائل الكتاب البالغة إحدى وعشرين مسألة يلمح فيها نفس ابن القيم واسلوبه وطريقته المعهودة في البحث والترجيح والاختيار ، وسياق الأقوال ومناقشتها وحشر الأدلة ونقدها . وقد أفصح عن ذلك في ثنايا المسألة الخامسة عشر فقال : فهذا ما تلخص لي من جمع أقوال الناس في مصير أرواحهم بعد الموت ولا تظفر به مجموعا في كتاب واحد غير هذا البتة ونحن نذكر مأخذ هذه الأقوال وما لكل قول وما عليه وما هو الصواب من ذلك ، الذي دل عليه الكتاب والسنة على طريقتنا التي منَّ الله بها علينا وهو مرجو الإعانة والتوفيق .
وهذا الأسلوب له نظائره في كتبه وتقريراته .
التدليل على أنه إنما ألفه بعد اتصاله بشيخ الإسلام ابن تيمية :
والتدليل على ذلك من وجهين :
1 - ما تقدم من نقوله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بل إن في أول موضع ذكره فيه من كتابه ما يفيد أنه إنما ألفه بعد وفاة شيخه ابن تيمية رحمه الله تعالى إذ يقول : وقد حدثني غير واحد ممن كان غير مائل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رآه بعد موته وسأله عن شيء كان يشكل عليه من مسائل الفرائض وغيرها فأجابه بالصواب .
2 - أنه في مباحث الكتاب العقدية : في توحيد العبادة وفي توحيد الأسماء والصفات يقررها على المنهج السلفي الراشد الخالص من شوائب الشرك ووضر التأويل . وهذا هو الحد الفاصل بين السلف والخلف .
وقد هدى الله ابن القيم إلى ذلك بعد اتصاله بشيخ الإسلام ابن تيمية كما أوضحه في " النونية " والله أعلم .
فلعله من مجموع التدليل على هاتين النتيجتين يتبين للقارىء سلامة التوثيق لنسبة هذا الكتاب " الروح " للإمام ابن القيم والله أعلم .ا.هـ.
وبعد هذا النقل نرى أن الشيخ بكر أبو زيد - نفع الله بعلمه - يقرر صحة نسبة كتاب الروح إلى ابن القيم تقريرا قويا وذلك من خلال أسلوب ابن القيم ، وعزوه لكتاب " الروح " في مؤلفاته الأخرى .
جزى الله الشيخ بكر ابو زيد على هذا التقرير ، ورحم الله الإمام ابن القيم رحمة واسعة .
-----------------------------------------------
الحاشية :
1) جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام ( ص647 ) ط . دار ابن الجوزي ، ت : مشهور بن حسن آل سلمان .
2) كتاب الروح ( ص 41 - 50 ) .
3) البقاعي : هو إبراهيم بن عمر بن حسن برهان الدين مؤرخ أديب مفسر له كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ، طبع الهند سنة 1396 هـ وتوفي سنة 885 هـ . انظر البدر الطالع (1/19) .
4) هكذا في الكتاب - أقصد كتاب ابن قيم الجوزية للشيخ بكر - ، وهو خطأ مطبعي ، والصحيح أبو الحجاج المزي ، وقد ذكره الشيخ بكر في نفس الكتاب من شيوخ ابن القيم ( ص 177)
عبد الله زقيل