كان في فقره أصبر خلق الله وأشكرهم، وكذلك في غناه، والله تعالى جعله قدوةً للأغنياء والفقراء، وأيُّ غنى أعظم من غنى من عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض وعُرض عليه أن يجعل له الصفا ذهبا، وخُيّر بين أن يكون ملكا نبيا وبين أن يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا، ومع هذا فجيبت اليه أموال جزيرة العرب واليمن فأنفقها كلها ولم يستأثر منها بشئ؛ بل تحمّل عيال المسلمين ودَينَهم، فقال: "من ترك مالا فلورثته ومن ترك كَلّاً فإليّ وعليّ"، فرفع الله سبحانه قدره أن يكون من جملة الفقراء الذين تحلُّ لهم الصدقه، كما نزّهه أن يكون من جملة الأغنياء الذين أغناهم بالأموال الموروثة؛ بل أغناه به عن سواه، وأغنى قلبه كل الغنى، ووسّع عليه غاية السعة، فأنفق غاية الإنفاق، وأعطى أجلّ العطايا، ولا استأثر بالمال ولا اتخذ منه عقاراً ولا أرضاً ولا ترك شاةً ولا بعيراً ولا عبداً ولا أمةً ولا ديناراً ولا درهماً.
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 224)