فائدة جليلة في اقتران اسم الرحمن بالاستواء على العرش
ولهذا يقرُن استواءَه على العرش بهذا الاسم كثيرًا، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 59]. فاستوى على عرشه باسم "الرّحمن"، لأنّ العرش محيطٌ بالمخلوقات قد وَسِعَها، والرّحمةُ محيطةٌ بالخلق واسعةٌ لهم، كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]. فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصِّفات، فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيءٍ.
وفي الصّحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمّا قضى الله الخلقَ كتَب في كتابٍ فهو عنده موضوعٌ على العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي". وفي لفظ: "سبقت رحمتي غضبي". وفي لفظٍ: "فهو عنده، وضعه على العرش".
فتأمَّلْ اختصاصَ هذا الكتاب بذكر الرّحمة ووضعِه عنده على العرش، وطابِقْ بين ذلك وبين قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ينفتِحْ لك بابٌ عظيمٌ من معرفة الرّبِّ تبارك وتعالى إن لم يُغلِقْه عنك التّعطيل والتّجهُّم.
مدارج السالكين (1/ 51 – 52 ط عطاءات العلم)