التسليم للقضاء والقدر بعد بذل الجهد في تعاطي ما أُمِر به من الأسباب

‌‌الفصل الرابع والسبعون: في التسليم للقضاء والقدر، بعد بذل الجهد في تعاطي ما أُمِر به من الأسباب

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران: 156].

فنهى سبحانه عباده أن يتشبَّهوا بالقائلين: لو كان كذا وكذا لما وقع قضاؤه بخلافه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإيَّاك واللَّوَّ، فإن اللَّوَّ تفتح عمل الشيطان".

وقال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلي الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ اللهِ وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم .

وعن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين، فقال المَقْضِيُّ عليه لَمَّا أدبر: حسبنا الله ونعم الوكيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكَيْسِ، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل" .

فنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يقول عند جريان القضاء ما يضرُّه ولا ينفعُه، وأَمَرَهُ أن يفعل من الأسباب ما لا غِنَى له عنه، فإن أعجزه القضاء قال: "حسبي الله ونعم الوكيل"، فإذا قال: "حسبي الله" بعد تعاطي ما أُمِرَ به من الأسباب قالها وهو محمودٌ، فانتفع بالفعل والقول، وإذا عجز وترك الأسباب وقالها؛ قالها وهو مَلُومٌ بترك الأسباب التي اقتضتها حكمة الله عز وجل، فلم تنفعْهُ الكلمةُ نَفْعَها لِمَنْ فَعَلَ ما أُمِرَ به.


الوابل الصيب (ص: 401 - 402)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله