أول ما طبع هذا الكتاب في الهند سنة 1357 هـ بعنوان "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، ثم طبع في القاهرة طبعتين مختلفتين بالعنوان نفسه، فاشتهر هذا العنوان. ولعل أول طبعة خالفته هي التي أخرجها الشيخ محمَّد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله سنة 1377 هـ في القاهرة بعنوان "الداء والدواء". ولكن في العام نفسه صدرت في القاهرة أيضًا طبعة أخرى عني بها الشيخ محمود عبد الوهاب فايد رحمه الله بالعنوان الأول. وقد ألِفَ الناس هذا العنوان، ولعلّهم أعجبوا به لما فيه من السجع السهل، فوسمت به معظم الطبعات التي صدرت من هذا الكتاب. فهل كلا العنوانين صواب، أو أحدهما أرجح من الآخر؟
لم يسمّ المؤلف كتابه في مقدّمته، بل ليس فيه مقدّمة أصلًا، إذ أخذ المؤلف في الإجابة عن السؤال الذي ورد عليه رأسًا حسب طريقة المفتين؛ ولا أشار إليه في كتبه الأخرى. ولكنّ أقدم من ذكره من مؤلفاته -وهو تلميذه الحافظ ابن رجب رحمه الله سماه "الداء والدواء"، وكذا من اعتمد عليه كالداوودي وابن العماد وغيرهما.
والشوكاني أيضًا ذكره بهذا العنوان مع أنّه لم يصدر فيما يبدو عن ذيل طبقات الحنابلة.
وبين يديّ ثلاث نسخ من الكتاب، كلّها نسخت في حياة الحافظ ابن رجب (736 - 795)، وأقدمها نسخة الإسكوريال المكتوبة سنة 770 هـ، والثانية مؤرخّة في سنة 785 هـ، والثالثة كتبت قبل سنة 791 هـ، وهذه كلها متفقة على عنوان "الداء والدواء". وقد اطلعت على نسخ متأخرة أيضًا بهذا العنوان من القرنين الثاني عشر والثالث عشر.
أما العنوان الآخر "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، فقد ذكره حاجي خليفة المتوفى سنة 1067 هـ، ثم نقل أول الكتاب، وأثنى عليه. وهذا دليل على أنه وقف على نسخة منه بهذا العنوان.
وقد ورد العنوان الأول أيضًا في كتابه، ولكنه مأخوذ من ذيل طبقات الحنابلة أو غيره من كتب التراجم، فإن حاجي خليفة لو وقف على نسخة بهذا العنوان لنقل منها بداية الكتاب، وتبيّن له أنّه الكتاب السابق نفسه الذي ذكره بعنوان "الجواب الكافي … ".
وعندي صورة من نسخة محفوظة في مكتبة جامعة ييل، وقدّر واضع فهرسها أنها من القرن الثامن، وعنوانها: "كتاب الجواب الكافي في سؤال الدواء الشافي" كذا، والظاهر أنه ليس بخط كاتب النسخة، ولكن لا أدري أهذه صورة محرّفة من العنوان المشهور الذي ثبت من قبل في بعض النسخ، أم هي الصيغة البدائية التي تطوّرت بعد تحسينها إلى الصيغة المعروفة.
مهما يكن الأمر، فقد تبين مما سبق أن العنوان الأول -وهو الداء والدواء- أحقّ بالترجيح. يقول الشيخ بكر أبو زيد: "وهما اسمان وضعا لمسمّى واحد، وهو جواب لسؤال ورد عليه، والمناسبة لكل واحد من الاسمين ظاهرة، لكنها بهذا الاسم "الداء والدواء" أظهر، فإنه استهلّ جواب السؤال بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء إلاّ أنزل الله له شفاء" وأحاديث نحوه. وقال أيضًا في أثناء الكتاب: "فلنرجع إلى ما كنّا فيه من ذكر دواء الداء".
وزد على ما ذكره الشيخ النصوص الآتية من الكتاب:
- "وهل مع ذلك كله من دواء لهذا الداء العضال … " (413).
- "ولعل هذا هو المقصود بالسؤال الذي وقع عليه الاستفتاء، والداء الذي طلب له الدواء" (414).
- "والكلام في دواء هذا الداء" (415).
- "ودواء هذا الداء القتّال" (490).
- "ودواء هذا الداء الدويّ" (566).
هذه النصوص، وما سبق من أن الحافظ ابن رجب وغيره ممن ترجم للمؤلف إنما ذكره بعنوان "الداء والدواء"، وأنه هو الوارد في مخطوطات الكتاب لا سيما القريبة من زمن المؤلف = كل ذلك يرجّح هذا العنوان على غيره.
هذا، وفي مكتبة الأوقاف ببغداد نسخة من الكتاب، تاريخ نسخها سنة 1100 هـ، وكان مكتوبًا في صفحة عنوانها: "هذا كتاب دواء الداء"، فكتب بعضهم فوقه بخط مختلف: "هذا دواء القلوب"، ثم
ضرب شخص آخر على العبارة السابقة، وكتب بجانبها: "دواء القلوب"، وقيّد الكتاب في المكتبة بهذا العنوان في فنّ التصوف، وهكذا سمّاه الأستاذ عبد الله الجبوري في فهرس مكتبة الأوقاف.
والظاهر أن الورقة الأولى التي كان فيها عنوان الكتاب واسم المؤلف قد ضاعت من الأصل، فتتبع بعض من قرأ النسخة عبارات المصنّف التى سُقناها آنفًا كقوله: "فلنرجع إلى ما كنّا فيه من ذكر (دواء الداء) "، فكتب: "هذا كتاب دواء الداء"، وكان الرجل مصيبًا في استنباطه، غير بعيد عن العنوان الصحيح. ولمّا رأى بعضهم أنّ هذا العنوان يوهم أنّ الكتاب في طبّ الأبدان، نبّه على موضوعه بقوله: "إن هذا دواء القلوب"، وذلك أيضًا واقع في حاقّ الصواب. أما الذي أفسد الأمر فهو ثالثهم الذي توهّم أن "دواء القلوب" في العبارة السابقة هو عنوان الكتاب، فأثبته بجانبها بعد ما ضرب عليها ضربات! أما الأستاذ عبد الله الجبوري الذي فهرس النسخة، وأثبت بدايتها وخاتمتها، ثم نقل عن معجم المطبوعات لسركيس أن الكتاب مطبوع في القاهرة؛ فلا شك أنه اكتشف أن هذا الكتاب هو "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"،؛ لأنّ معجم سركيس لم يرد فيه عنوان "دواء القلوب" البتّة، لا في مصنفات ابن القيم ولا غيره، وإنما ذكر هو "الجواب الكافي … " مع الإشارة إلى طبعته الصادرة في مصر عام 1954 م، فكان حريًّا بالأستاذ الجبوري أن يصرّح في الفهرس بأنّ هذه النسخة الموسومة بـ "دواء القلوب" هي لكتاب ابن القيم المطبوع بعنوان "الجواب الكافي … " أو "الداء والدواء"، مشيرًا إلى ما حصل في صفحة عنوانها من تغيير. ولكن فاته ذلك، فالتبس الأمر بعض الالتباس.
الداء والدواء (المقدمة/ 12 - 16) ط عطاءات العلم