وقد بلغ الشيطان منهم أنْ عَذَّبهم في الدنيا والآخرة، وأخرجهم عن اتباع الرسول، وأدخلهم في جملة أهل التنطع والغلو، وهم يحسبون أنهم يُحسِنون صنعًا.
فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، وليعزِمْ على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم، وأن ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته، ويوقن أنه عدوّ له لا يدعوه إلى خير: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]، وليترك التعريج على كل ما خالف طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنًا ما كان؛ فإنه لا يُشَكّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم، ومن شك في هذا فليس بمسلم.
ومَنْ عَلِمَهُ قال: فإلى أين العدول عن سنته؟ وأيّ شيء ينبغي للعبد غير طريقته؟ ويقول لنفسه: ألستِ تعلمين أن طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الصراط المستقيم؟ فإذا قالت: بلى؛ قال لها: فهل كان يفعل هذا؟ فستقول: لا، فقل لها: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار؟ وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان؟ فإن اتبعتِ سبيله كنت قرينه، وستقولين: {يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 38]، ولينظر أحوال السلف في متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فليقْتَدِ بهم، وليحتَذِ طريقتهم؛ فقد رُوِّينا عن بعضهم أنه قال: «لقد تقدمني قوم؛ لو لم يتجاوزوا بالوضوء الظفر ما تجاوزته».
قلت: هو إبراهيم النَّخَعيُّ.
وقال زين العابدين يومًا لابنه: «يا بني! اتخذ لي ثوبًا ألبسه عند قضاء الحاجة؛ فإني رأيت الذباب يسقط على الشيء، ثم يقع على الثوب». ثم انتَبَه فقال: «ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا ثوب واحد». فتركه.
وكان عمر رضي الله تعالى عنه يَهُمّ بالأمر ويَعزِم عليه، فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى، حتى إنه قال: «لقد هممتُ أن أنهى عن لبس هذه الثياب؛ فإنه بلغني أنها تُصبَغ ببول العجائز»، فقال له أُبَيٌّ: «ما لك أن تنهى؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبسها، ولُبِستْ في زمانه، ولو علم الله أن لبسها حرام لبينه لرسوله». فقال عمر: «صدقت».
ثم ليُعْلَم أن الصحابة ما كان فيهم موسوس، ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادّخرها الله عن رسوله وصحابته، وهم خير الخلق وأفضلهم، ولو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم الموسوسين لمقتهم، ولو أدركهم عمر لضربهم وأدبهم، ولو أدركهم الصَّحابة لبدَّعوهم.
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان (1/ 235 – 237 ط عطاءات العلم)