التعليق على "باب: في خُطْبة النكاح" من سنن أبي داود

14 -‌‌ باب في خُطْبة النكاح

154/ 2032 - وعن أبي الأحوص وأبي عُبيدة عن عبد الله قال: «علّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خُطبة الحاجة: إنّ الحمد لله، نستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، {يا أيها الذين آمنوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث حسن. ومنهم من أخرجه عن أبي الأحوص وحده، ومنهم من أخرجه عنهما.

قال ابن القيم رحمه الله: وقد روى النسائيُّ في «سننه» من حديث عَمرو بن سعيد، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس: أن رجلًا كلّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم في شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسوله، أما بعد».

والأحاديثُ كلّها متفقة على أن «نستعينه ونستغفره ونعوذ به» بالنون، والشهادتان بالإفراد، «وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله».

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لمّا كانت كلمة الشهادة لا يتحمّلها أحدٌ عن أحد، ولا تَقْبل النيابةَ بحالٍ أفردَ الشهادةَ بها، ولمّا كانت الاستعانة والاستعاذة والاستغفار تقبل ذلك، فيستغفر الرجل لغيره، ويستعين الله له، ويستعيذ بالله له، أتى فيها بلفظ الجمع، ولهذا نقول: اللهم أعنّا، وأعِذْنا، واغفر لنا. قال ذلك في حديث ابن مسعود وليس فيه «نحمده» ، وفي حديث ابن عباس «نحمده» بالنون، مع أن الحمد لا يتحمّله أحدٌ عن أحد، ولا يقبل النيابة، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فيه .... إلى ألفاظ الحمد والاستعانة على نَسَق واحد.

وفيه معنى آخر، وهو أن الاستعانة والاستعاذة والاستغفار طلب وإنشاء، فيستحبّ للطالب أن يطلبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين، وأما الشهادة فهي إخبار عن شهادته لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، وهي خبر يطابق عقد القلب وتصديقه، وهذا إنما يخبر به الإنسانُ عن نفسه لعلمه بحاله، بخلاف إخباره عن غيره، فإنه إنما يخبر عن قوله ونطقه، لا عن عَقْد قلبه، والله أعلم.

155/ 2033 - وعن أبي العياض، عن ابن مسعود: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهَّد، ذكر نحوه، وقال بعد قوله «ورسوله»: «أرسلَه بالحقّ بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، مَنْ يُطع الله ورسولَه فقد رَشد، ومن يعصهما فإنه لا يَضُرُّ إلا نفسَه، ولا يضرّ الله شيئًا».

في إسناده عمران بن دَاوَرَ القطان، وفيه مقال.

قال ابن القيم رحمه الله: وقد روى النسائيُّ وغيرُه من حديث عَديّ بن حاتم قال: «تشهَّد رجلان عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: مَن يُطِعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشَد، ومَن يَعْصِهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس الخطيبُ أنتَ». فإن صحَّ حديثُ عمران بن داور، فلعله رواه بعضُهم بالمعنى، فظنَّ أن اللفظين سواء، ولم يبلغه حديث: «بئس الخطيبُ أنت». وليس عمران بذلك الحافظ.


تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (1/ 444 - 447)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله