سلسلة الفوائد المنتقاة من كتب ابن القيم: قَصص ذكرها ابن القيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في ثنايا كتبه بعض القصص لما فيها من العِظةٍ والعبرة إضافة إلى الفوائد العلمية والتربوية. وقد انتقيت بعض هذه القصص. وأسأل الله عز وجل أن ينفع بها الجميع.

*نايف بن علي العوفي

قصة الشاب كثير العبادة:

إن الحور العين يطلبن أزواجهن أكثر مما يطلبهن أزواجهن كما تقدم حديث معاذ بن جبل في ذلك، وقول الحوراء لامرأته في الدنيا: لا تؤذيه فيوشك أن يفارقك إلينا.

حديث عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الحور العين:" اللهم اعنه على دينك وأقبل بقلبه على طاعتك".

وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي سليمان الداراني قال: كان شابا بالعراق يتعبد، فخرج مع رفيق له إلى مكة، فكان إن نزلوا فهو يصلي، وإن أكلوا فهو صائم، فصبر عليه رفيقه ذاهبا وجائيا، فلما أراد أن يفارقه قال له: يا أخي أخبرني ما الذي هيجك إلى ما رأيت؟.

 قال: رأيت في النوم قصرا من قصور الجنة، وإذا لبنة من فضة ولبنة من ذهب، فلما تم البناء إذا شرافة من زبرجدة وشرافة من ياقوت، وبينهما حوراء من حور العين مرخية شعرها، عليها ثوب من فضة ينثني عليها معها كلما تثنت.

فقالت: جد إلى الله في طلبي، فقد والله جددت إليه في طلبك؛ فهذا الذي تراه في طلبها.

 قال أبو سليمان: هذا في طلب حوراء؛ فكيف بمن قد طلب ما هو أكثر منها!!. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (٢/ ٨١٢ - ٨١٣)

 

عقوبة من استهزأ بالسنة:

وَقَالَ احْمَد بن مَرْوَان الْمَالِكِي فِي كتاب المجالسة لَهُ حَدثنَا زَكَرِيَّا بن عبد الرَّحْمَن الْبَصْرِيّ قَالَ سَمِعت احْمَد بن شُعَيْب يَقُول: كُنَّا عِنْد بعض الْمُحدثين بِالْبَصْرَةِ فحدثنا بِحَدِيث النَّبِي ان الْمَلَائِكَة لتَضَع اجنحتها لطَالب الْعلم وَفِي الْمجْلس مَعنا رجل من الْمُعْتَزلَة فَجعل يستهزئ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ وَالله لاطرقن غَدا نَعْلي بمسامير فأطأ بهَا أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة فَفعل وَمَشى فِي النَّعْلَيْنِ فجفت رِجْلَاهُ جَمِيعًا وَوَقعت فيهمَا الاكلة.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ سَمِعت أَبَا يحيى زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِي قَالَ: كُنَّا نمشي فِي بعض ازقة الْبَصْرَة إِلَى بَاب بعض الْمُحدثين فأسرعنا الْمَشْي وَكَانَ مَعنا رجل ماجن مِنْهُم فِي دينه فَقَالَ: ارْفَعُوا ارجلكم عَن اجنحة الْمَلَائِكَة لا تكسروها كالمستهزيء فَمَا زَالَ من مَوْضِعه حَتَّى جَفتْ رِجْلَاهُ وَسقط. مفتاح دار السعادة (١/ ١٧٢ - ١٧٣)

 

من فراسة وذكاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ: " مَا اسْمُك؟

قَالَ: جَمْرَةُ.

قَالَ: ابْنُ مَنْ؟

قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ.

قَالَ: مِمَّنْ؟

قَالَ: مِنْ الْحُرْقَةِ.

قَالَ: أَيْنَ مَسْكَنُك؟

قَالَ: بِحَرَّةِ النَّارِ.

قَالَ: أَيُّهَا؟

قَالَ: بِذَاتِ لَظًى.

فَقَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا ". فَكَانَ كَمَا قَالَ.

وَمِنْ فِرَاسَتِهِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ الْأُمَّةِ أَنَّهُ قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ اتَّخَذْت مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥].

وَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْت نِسَاءَك أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ".

وشاوره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسرى يوم بدر، فأشار بقتلهم، ونزل القرآن بموافقته. الطرق الحكمية (١/ ٧٦ - ٧٨)

 

كرم قيس بن سعد بن عبادة:

وَكَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنَ الْأَجْوَادِ الْمَعْرُوفِينَ. حَتَّى إِنَّهُ مَرِضَ مَرَّةً، فَاسْتَبْطَأَ إِخْوَانَهُ فِي الْعِيَادَةِ. فَسَأَلَ عَنْهُمْ؟

فَقَالُوا: إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ مِمَّا لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّيْنِ.

فَقَالَ: أَخْزَى اللَّهُ مَالًا يَمْنَعُ الْإِخْوَانَ مِنَ الزِّيَارَةِ. ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ كَانَ لِقَيْسٍ عَلَيْهِ مَالٌ فَهُوَ مِنْهُ فِي حِلٍّ. فَمَا أَمْسَى حَتَّى كُسِرَتْ عَتَبَةُ بَابِهِ، لِكَثْرَةِ مَنْ عَادَهُ.

وَقَالُوا لَهُ يَوْمًا: هَلْ رَأَيْتَ أَسْخَى مِنْكَ؟

 قَالَ: نَعَمْ. نَزَلْنَا بِالْبَادِيَةِ عَلَى امْرَأَةٍ؛ فَحَضَرَ زَوْجُهَا.

فَقَالَتْ: إِنَّهُ نَزَلَ بِكَ ضَيْفَانِ. فَجَاءَ بِنَاقَةٍ فَنَحَرَهَا، وَقَالَ: شَأْنُكُمْ؟

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَ بِأُخْرَى فَنَحَرَهَا. فَقُلْنَا: مَا أَكَلْنَا مِنَ الَّتِي نَحَرْتَ الْبَارِحَةَ إِلَّا الْيَسِيرَ.

فَقَالَ: إِنِّي لَا أُطْعِمُ ضَيْفَانِي الْبَائِتَ. فَبَقِينَا عِنْدَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ. وَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَرَدْنَا الرَّحِيلَ وَضَعْنَا مِائَةَ دِينَارٍ فِي بَيْتِهِ، وَقُلْنَا لِلْمَرْأَةِ: اعْتَذِرِي لَنَا إِلَيْهِ، وَمَضَيْنَا؛ فَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ إِذَا نَحْنُ بَرَجُلٍ يَصِيحُ خَلْفَنَا: قِفُوا أَيُّهَا الرَّكْبُ اللِّئَامُ. أَعْطَيْتُمُونِي ثَمَنَ قِرَايَ؟ ثُمَّ إِنَّهُ لَحِقَنَا، وَقَالَ: لَتَأْخُذُنَّهُ أَوْ لَأُطَاعِنَنَّكُمْ بِرُمْحِي. فَأَخَذْنَاهُ وَانْصَرَفَ. مدارج السالكين (٣/ ٤ - ٥)

 

تفريق الشهود وذكاء وفطنة علي رضي الله عنه:

وَقَرَأْت فِي كِتَابِ أَقْضِيَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِغَيْرِ إسْنَادٍ - أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إلَى عَلِيٍّ، وَشُهِدَ عَلَيْهَا: أَنَّهَا قَدْ بَغَتْ، وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهَا أَنَّهَا كَانَتْ يَتِيمَةً عِنْدَ رَجُلٍ، وَكَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ؛ وَكَانَ كَثِيرَ الْغَيْبَةِ عَنْ أَهْلِهِ.

 فَشَبَّتْ الْيَتِيمَةُ، فَخَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا؛ فَدَعَتْ نِسْوَةً حَتَّى أَمْسَكْنَهَا. فَأَخَذَتْ عُذْرَتَهَا بِأُصْبُعِهَا؛ فَلَمَّا قَدِمَ زَوْجُهَا مِنْ غَيْبَتِهِ رَمَتْهَا الْمَرْأَةُ بِالْفَاحِشَةِ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ مِنْ جَارَاتِهَا اللَّوَاتِي سَاعَدْنَهَا عَلَى ذَلِكَ.

فَسَأَلَ الْمَرْأَةَ: أَلَك شُهُودٌ؟

قَالَتْ: نَعَمْ. هَؤُلَاءِ جَارَاتِي يَشْهَدْنَ بِمَا أَقُولُ. فَأَحْضَرَهُنَّ عَلِيٌّ، وَأَحْضَرَ السَّيْفَ، وَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُنَّ. فَأَدْخَلَ كُلَّ امْرَأَةٍ بَيْتًا؛ فَدَعَا امْرَأَةَ الرَّجُلِ، فَأَدَارَهَا بِكُلِّ وَجْهٍ؛ فَلَمْ تَزُلْ عَنْ قَوْلِهَا. فَرَدَّهَا إلَى الْبَيْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ.

وَدَعَا بِإِحْدَى الشُّهُودِ، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ مَا قَالَتْ، وَرَجَعَتْ إلَى الْحَقِّ، وَأَعْطَيْتهَا الْأَمَانَ؛ وَإِنْ لَمْ تُصْدِقِينِي لَأَفْعَلَنَّ، وَلَأَفْعَلَنَّ.

فَقَالَتْ: لَا وَاَللَّهِ، مَا فَعَلْت، إلَّا أَنَّهَا رَأَتْ جَمَالًا وَهَيْبَةً، فَخَافَتْ فَسَادَ زَوْجِهَا؛ فَدَعَتْنَا وَأَمْسَكْنَاهَا لَهَا، حَتَّى افْتَضَّتْهَا بِأُصْبُعِهَا.

قَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَنَا أَوَّلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّاهِدِينَ. فَأَلْزَمَ الْمَرْأَةَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ وَأَلْزَمَ النِّسْوَةَ جَمِيعًا الْعُقْرَ، وَأَمَرَ الرَّجُلَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ، وَزَوَّجَهُ الْيَتِيمَةَ، وَسَاقَ إلَيْهَا الْمَهْرَ ثُمَّ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ دَانْيَالَ كَانَ يَتِيمًا، لَا أَبَ لَهُ وَلَا أُمَّ، وَأَنَّ عَجُوزًا مِنْ بَنْيِ إسْرَائِيلَ ضَمَّتْهُ وَكَفَلَتْهُ، وَأَنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ كَانَ لَهُ قَاضِيَانِ. وَكَانَتْ امْرَأَةً مَهِيبَةً جَمِيلَةً، تَأْتِي الْمَلِكَ فَتُنَاصِحُهُ وَتَقُصُّ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَيْنِ عَشِقَاهَا. فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ، فَشَهِدَا عَلَيْهَا عِنْدَ الْمَلِكِ أَنَّهَا بَغَتْ. فَدَخَلَ الْمَلِكَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ فَاشْتَدَّ غَمُّهُ، وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا. فَقَالَ لَهُمَا: إنَّ قَوْلَكُمَا مَقْبُولٌ، وَأَجَلُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَرْجُمُونَهَا.

وَنَادَى فِي الْبَلَدِ: اُحْضُرُوا رَجْمَ فُلَانَةَ، فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَلِكُ لِثِقَتِهِ: هَلْ عِنْدَك مِنْ حِيلَةٍ؟

فَقَالَ: مَاذَا عَسَى عِنْدِي؟ - يَعْنِي وَقَدْ شَهِدَ

عَلَيْهَا الْقَاضِيَانِ - فَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَإِذَا هُوَ بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ، وَفِيهِمْ دَانْيَالُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ دَانْيَالُ: يَا مَعْشَرَ الصِّبْيَانِ تَعَالَوْا حَتَّى أَكُونَ أَنَا الْمَلِكُ، وَأَنْتَ يَا فُلَانُ الْمَرْأَةُ الْعَابِدَةُ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ الْقَاضِيَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا. ثُمَّ جَمَعَ تُرَابًا وَجَعَلَ سَيْفًا مِنْ قَصَبٍ، وَقَالَ لِلصِّبْيَانِ: خُذُوا بِيَدِ هَذَا الْقَاضِي إلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَفَعَلُوا، ثُمَّ دَعَا الْآخَرَ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ الْحَقَّ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَتَلْتُك، بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ؟ - وَالْوَزِيرُ وَاقِفٌ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ - فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّهَا بَغَتْ، قَالَ: مَتَى؟ قَالَ: فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: مَعَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. قَالَ: فِي أَيِّ مَكَان؟ قَالَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: رُدُّوهُ إلَى مَكَانِهِ، وَهَاتُوا الْآخَرَ. فَرَدُّوهُ إلَى مَكَانِهِ، وَجَاءُوا بِالْآخَرِ، فَقَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ؟ قَالَ: بَغَتْ. قَالَ: مَتَى؟ قَالَ: يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: مَعَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَخَالَفَ صَاحِبَهُ، فَقَالَ دَانْيَالُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، شَهِدَا عَلَيْهَا وَاَللَّهِ بِالزُّورِ، فَاحْضُرُوا قَتْلَهُمَا. فَذَهَبَ الثِّقَةُ إلَى الْمَلِكِ مُبَادِرًا، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَبَعَثَ إلَى الْقَاضِيَيْنِ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَفَعَلَ بِهِمَا مَا فَعَلَ دَانْيَالُ. فَاخْتَلَفَا كَمَا اخْتَلَفَ الْغُلَامَانِ. فَنَادَى الْمَلِكُ فِي النَّاسِ: أَنْ اُحْضُرُوا قَتْلَ الْقَاضِيَيْنِ، فَقَتَلَهُمَا. الطرق الحكمية (١/ ١٥٢ - ١٥٥)

 

العشق والهوى أصل كل بليّة:

 قال عدي ابن ثابت: كان في زمن بني إسرائيل راهب يعبد الله حتى كان يؤتى بالمجانين يعوذهم فيبرأون على يديه، وإنه أتي بامرأة ذات شرف من قومها قد جُنّت، وكان لها إخوة فأتوه بها، فلم يزل الشيطان يُزين له حتى وقع عليها فحملت؛ فلما استبان حملها لم يزل يخوفه ويزين له قتلها حتى قتلها ودفنها.

فذهب الشيطان في صورة رجل حتى أتى بعض إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئا كبر علي ذكره فذكر ذلك بعضهم لبعض حتى رفعوا ذلك إلى ملكهم، فسار الناس إليه حتى استنزلوه من صومعته؛ فأقر لهم بالذي فعل، فأُمر به فصُلب.

فلما رفع على الخشبة تمثل له الشيطان فقال: أنا الذي زيّنت لك هذا وألقيتك فيه فهل أنت مطيعي فيما أقول لك وأخلصك؟

قال: نعم !

قال: تسجد لي سجدة واحدة.

فسجد له، وقُتل الرجل.

فهو قول الله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيطانِ إِذ قالَ لِلإِنسانِ اكفُر فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنّي بَريءٌ مِنكَ إِنّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمينَ) [سورة الحشر: ١٦]. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص: ٢٩٠)

 

حلاوة أجرها أنستني مرارة ذكرها:

ويُحكى عن امرأة من العابدات أنها عثرت فانقطعت إصبعها، فضحكت.

فقال لها بعض من معها: أتضحكين، وقد انقطعت إصبعك؟

فقالت: أخاطبك على قدر عقلك، حلاوة أجرها أنستني مرارة ذكرها. مدارج السالكين (٢/ ١٦٧)

 

روحانية ورب الكعبة:

اجتمع وهيب بن الورد، وسفيان الثوري، ويوسف بن أسباط، فقال الثوري: قد كنت أكره موت الفجاءة قبل اليوم. وأما اليوم: فوددت أني ميت.

فقال له يوسف بن أسباط: ولم؟

فقال: لما أتخوف من الفتنة.

فقال يوسف: لكني لا أكره طول البقاء.

فقال الثوري: ولم تكره الموت؟

قال: لعلي أصادف يوما أتوب فيه وأعمل صالحا.

فقيل لوهيب: أي شيء تقول أنت؟

فقال: أنا لا أختار شيئا، أحبُّ ذلك إلي أحبه إلى الله.

فقبّل الثوري بين عينيه، وقال: روحانية ورب الكعبة. مدارج السالكين (٢/ ٢٠٦)

 

وأسلم الراهب..

ولقي بعضُ الصَّحابة راهبًا، فقال: صف لي محمدًا كأنِّي أنظرُ إليه، فإنِّي رأيتُ صفته في التوراة والإنجيل.

فقال: لم يكن بالطويل البائن، ولا بالقصير، فوق الرَّبعة، أبيضَ اللون مُشْرَبًا بالحمرة، جَعْدًا ليس بالقطط، جُمَّتُه إلى شحمة أُذنه، صَلْتَ الجبين، واضحَ الخَدِّ، أدعَج العينين، أقنى الأنف، مفلَّج الثنايا، كأنَّ عنقه إبريقُ فضَّة، ووجهه كدارة القمر. فأسلم الراهب. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص: ٣٣٥)

 

الحلّ في ترك الحيل والهرب من المعصية وأسبابها:

وقال مصعب بن عثمان: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجها، فدخلت عليه امرأة بيته، فسألته نفسه، فامتنع عليها، فقالت: إذاً أفضحك، فخرج هاربا عن منزله، وتركها فيه. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص: ٦٢٢)

 

قصة موت عمر بن عبد العزيز:

قال مسلمة بن عبد الملك: لما احتضر عمر بن عبد العزيز كنا عنده في قبة، فأومأ إلينا أن اخرجوا. فخرجنا، فقعدنا حول القبة، وبقي عنده وصيف، فسمعناه يقرأ هذه الآية: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} [القصص: ٨٣] ما أنتم بإنس ولا جان. ثم خرج الوصيف، فأومأ إلينا أن ادخلوا. فدخلنا فإذا هو قد قبض. الروح (١/ ١٨٩)

 

الوَرَعُ الكَاذِب:

وكثيرا ممن تجده يتورع عن الدانق* من الحرام، والقطرة من الخمر، ومثل رأس الإبرة من النجاسة، ولا يبالي بارتكاب الفرج الحرام، كما يحكى أن رجلا خلا بأجنبية فلما أراد مواقعتها قال: يا هذه غطي وجهك، فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام!!

وقد سأل عبد الله بن عمر رجل من أهل الكوفة عن دم البعوض، فقال: "انظروا إلى هؤلاء يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله ﷺ". عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: ١٢٧)

*الدانق هو: سدس الدينار والدرهم، ويطلق على الشيء التافه والحقير.

 

ما تسلّط عليك ما يؤذيك إلا بذنب

ولقي بعض السلف رجل فأغلظ له ونال منه فقال له: قف حتى أدخل البيت ثم أخرج إليك، فدخل فسجد لله وتضرّع إليه وتاب وأناب إلى ربه ثم خرج إليه، فقال له: ما صنعت؟ فقال: تبت إلى الله من الذنب الذي سلطك به عليّ. بدائع الفوائد (٢/ ٢٤٢)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله