فإن قيل: فما تقولون في الطواف بالبيت، فإنه يُفْتَتح بالطهارة، ولا تحريم فيه ولا تحليل؟
قيل: شرط النقض أن يكون ثابتًا بنصٍّ أو إجماع. وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين:
أحدهما: أنها شرط، كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد.
والثاني: ليست بشرط، نصَّ عليه في رواية ابنه عبد الله وغيره، بل نصُّه في رواية عبد الله تدلّ على أنها ليست بواجبة، فإنه قال: أَحبّ إليَّ أن يتوضأ. وهذا مذهب أبي حنيفة.
قال شيخ الإسلام: وهذا قول أكثر السلف، قال: وهو الصحيح، فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين بالطهارة، لا في عُمَرِه ولا في حجته، مع كثرة مَن حجّ معه واعتمر، ويمتنع أن يكون ذلك واجبًا ولا يُبينه للأمة، وتأخير البيان عن وقته ممتنع.
فإن قيل: فقد طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم متوضّئًا، وقال: "خذوا عَنِّي مناسككم"؟
قيل: الفعل لا يدلّ على الوجوب. والأخذ عنه هو أن يفعل كما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا كان قد فعل فعلًا على وجه الاستحباب فأوجبناه، لم نكن قد أخذنا عنه وتأسّينا به، مع أنه صلى الله عليه وسلم فعَلَ في حَجَّته أشياءَ كثيرة جدًّا لم يوجبها أحدٌ من الفقهاء.
فإن قيل: فما تقولون في حديث ابن عباس: "الطوافُ بالبيتِ صلاةٌ"؟
قيل: هذا قد اختلف في رفعه ووقفه، فقال النسائي والدارقطني وغيرهما: الصواب أنه موقوف. وعلى تقدير رفعه، فالمراد تشبيهه بالصلاة، كما يُشبَّه انتظارُ الصلاة بالصلاة، وكما قال أبو الدرداء: "ما دمتَ تذكر الله فأنتَ في صلاة، وإن كنتَ في السوق". ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أحدَكم في صلاة ما دام يَعْمِدُ إلى الصلاة".
فالطواف وإن سُمِّي صلاةً، فهو صلاةٌ بالاسم العام، ليس بصلاة خاصّةٍ، والوضوء إنما يشترط للصلاة الخاصّة ذاتِ التحريم والتحليل.
تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (١/ ٣٣ - ٣٦)