صحَّ عنه أنَّه قال: «لا تَبدؤوهم بالسَّلام، وإذا لقيتموهم في الطَّريق فاضطرُّوهم إلى أضيق الطَّريق». لكن قد قيل: إنَّ هذا كان في قضيَّةٍ خاصَّةٍ لمَّا ساروا إلى بني قُريظة قال: «لا تبدؤوهم بالسَّلام»، فهل هذا حكمٌ عامٌّ لأهل الذمَّة مطلقًا، أو يختصُّ بمن كانت حاله كحال أولئك؟ هذا موضع نظرٍ، ولكن قد روى مسلم في «صحيحه» من حديث أبي هريرة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدؤوا اليهود والنَّصارى بالسَّلام، وإذا لقيتم أحدَهم في الطَّريق فاضطرُّوه إلى أضيقِه»، والظَّاهر أنَّ هذا حكمٌ عامٌّ.
وقد اختلف السَّلف والخلف في ذلك، فقال أكثرهم: لا يُبْدَؤون بالسَّلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يردُّ عليهم، رُوي ذلك عن ابن عبَّاسٍ وأبي أمامة وابن مُحَيرِيز، وهو وجهٌ في مذهب الشَّافعيِّ. لكن صاحب هذا الوجه قال: يقال له: السَّلام عليك فقط بدون ذكر الرَّحمة، وبلفظ الإفراد. وقالت طائفةٌ: يجوز الابتداء لمصلحةٍ راجحةٍ من حاجةٍ تكون له إليه، أو خوفٍ من أذاه، أو لقرابةٍ بينهما، أو لسببٍ يقتضي ذلك، يُروى ذلك عن إبراهيم النَّخعيِّ وعلقمة. وقال الأوزاعيُّ: إن سلَّمتَ فقد سلَّم الصَّالحون، وإن تركتَ فقد ترك الصَّالحون.
واختلفوا في وجوب الردِّ عليهم، فالجمهور على وجوبه، وهو الصَّواب، وقالت طائفةٌ: لا يجب الردُّ عليهم، كما لا يجب على أهل البدع وأولى، والصَّواب الأوَّل، والفرق أنَّا مأمورون بهَجْر أهل البدع تعزيرًا لهم وتحذيرًا منهم، بخلاف أهل الذِّمَّة.
فصل
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه مرَّ على مجلسٍ فيهم أخلاطٌ من المسلمين والمشركين وعبدةِ الأوثان واليهود، فسلَّم عليهم.
وصحَّ عنه أنَّه كتب إلى هِرقلَ وغيرِه بالسَّلام على من اتَّبع الهدى.
زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (2/ 496 - 498)