الشَّيْخ شمس الدّين ابْن قيم الجوزية
مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن حريز الزرعي، الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة، شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ، الْمَعْرُوف بِابْن قيم الجورية.
مولده سَابِع صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست ماية.
سمع على الشهَاب العابر وَجَمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم: سُلَيْمَان بن حَمْزَة الْحَاكِم، وَأبي بكر بن عبد الدايم، وَعِيسَى الْمطعم، وَأبي نصر مُحَمَّد ابْن عماد الدّين الشِّيرَازِيّ، وَابْن مَكْتُوم، والبهاء ابْن عَسَاكِر، وعلاء الدّين الْكِنْدِيّ الوداعي، وَمُحَمّد بن أبي الْفَتْح البعلبكي أَيُّوب ابْن نعْمَة الكحال، وَالْقَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة، وَجَمَاعَة سواهُم.
وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على أبي الْفَتْح البعلي قَرَأَ عَلَيْهِ الملخص لأبي الْبَقَاء ثمَّ قَرَأَ الجرجانية ثمَّ قَرَأَ ألفية ابْن مَالك وَأكْثر الكافية الشافية وَبَعض التسهيل، ثمَّ قَرَأَ على الشَّيْخ مجد الدّين التونس قِطْعَة من المقرب.
وَأما الْفِقْه فَأَخذه عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَرَّانِي قَرَأَ عَلَيْهِ مُخْتَصر أبي الْقسم الْخرقِيّ وَالْمقنع لِابْنِ قدامَة، وَمِنْهُم ابْن أبي الْفَتْح البعلي، وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من الْمُحَرر تأليف جده وَأَخُوهُ الشَّيْخ شرف الدّين.
وَأخذ الفرايض أَولا عَن وَالِده وَكَانَ لَهُ فِيهَا يَدٌ ثمَّ على اسمعيل بن مُحَمَّد ثمَّ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية.
وَأما الْأُصُول فَأَخذهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ صفى الدّين الْهِنْدِيّ واسعميل بن مُحَمَّد قَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر الرَّوْضَة لِابْنِ قدامَة، وَمِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من الْمَحْصُول، وَمن كتاب الْأَحْكَام للسيف الْآمِدِيّ، وَقَرَأَ فِي أصُول الدّين على الشَّيْخ صفى الدّين الْهِنْدِيّ أَكثر الْأَرْبَعين والمحصل، وَقَرَأَ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قِطْعَة من الْكِتَابَيْنِ وَكَثِيرًا من تصانيفه.
واشتغل كثيرا نَاظر واجتهدوا واكبّ على الطّلب، وصنّف وَصَارَ من الأيمة الْكِبَار فِي علم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول فقها وكلاما وَالْفُرُوع والعربية، وَلم يخلف الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية مثله.
وَمن تصانيفه: زَاد الْمعَاد فِي هدى دين الْعباد أَرْبَعَة أسفار، مِفْتَاح دَار السَّعَادَة مُجَلد كَبِير، تَهْذِيب سنَن أبي دَاوُد وإيضاح علله ومشكلاته نَحْو ثلثة أسفار، سفر الهجرتين وَطَرِيق السعادتين سفر كَبِير، كتاب رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة سفر متوسط، معالم الموقعين عَن رب الْعَالمين سفر كَبِير، كتاب الكافية الشافية لانتصار الْفرْقَة النَّاجِية وَهُوَ نظم نَحْو ثلثة آلَاف بَيت، الرسَالَة الحلبية فِي الطَّرِيقَة المحمدية، بَيَان الِاسْتِدْلَال على بطلَان مُحَلل السباق والنضال، التحبير بِمَا يحل وَيحرم لبسه من الْحَرِير، الفروسية المحمدية، حلى الإفهام فِي أَحْكَام الصَّلَاة وَالسَّلَام على خير الْأَنَام، تَفْسِير أَسمَاء الْقُرْآن، تَفْسِير الْفَاتِحَة مُجَلد كَبِير، اقْتِضَاء الذّكر بِحُصُول الْخَيْر وَدفع الشَّرّ، كشف الغطاء عَن حكم سَماع الْغناء، الرسَالَة الشافية فِي أسرار المعوذتين، مَعَاني الأدوات والحروف، بدايع الفوايد مُجَلد كَبِير.
أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ:
بني أبي بكر كثير ذنُوبه ... فَلَيْسَ على من نَالَ من عرضه أَثم
بني أبي بكر جهول بِنَفسِهِ ... جهول بِأَمْر الله أَنِّي لَهُ الْعلم
بني أبي بكر غَدا متصدراً ... يعلم علما وَهُوَ لَيْسَ لَهُ علم
بني أبي بكر غَدا متمنياً ... وصال الْمَعَالِي والذنُوب لَهُ همم
بني أبي بكر يروم ترقيا ... إِلَى جنَّة المأوى وَلَيْسَ لَهُ عزم
بني أبي بكر يرى الْغرم فِي الَّذِي ... يَزُول ويفنى وَالَّذِي تَركه الْغنم
بني أبي بكر لقد خَابَ سَعْيه ... إِذا لم يكن فِي الصَّالِحَات لَهُ سهم
بني أبي بكر كَمَا قَالَ ربه ... هلوع كنُود وَصفه الْجَهْل وَالظُّلم
بني أبي بكر وَأَمْثَاله غدوا ... بفتواهم هذي الخليقة تأتم
وَلَيْسَ لَهُم فِي الْعلم بَاعَ وَلَا التقى ... وَلَا الزّهْد وَالدُّنْيَا لديهم هِيَ الْهم
فو الله لَو أَن الصَّحَابَة شاهدوا ... أفاضلهم قَالُوا هم الصم والبكم
وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي ثَالِث عشر شهر رَجَب الْفَرد سنة إِحْدَى وَخمسين وَسبع ماية
الوافي بالوفيات لخليل بن أيبك الصفدي (2/ 195 - 197)