هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حَرِيز، الزُّرَعِي الأصل، ثم الدمشقي، الحنبلي، المشهور بابن قَيِّم الجوزية، شمس الدين، أبو عبد الله.
وقد اتفقت أكثر المصادر على الوصول إلى جده الثالث (حريز) ، بينما وقف بعضها عند جده الأول (أيوب).
وقد زاد الشيخ بكر أبو زيد في اسمه جَدّاً رابعاً، فقال: " ... ابن حريز بن مكي زين الدين". وذكر الشيخ أنه قد تحصل له ذلك من ترجمة أخي ابن القَيِّم عبد الرحمن في (الدرر الكامنة) ، حيث زاد فيه هذه الزيادة.
وأما أبوه: فالجميع ذكروا أنه (أبو بكر) ، لم يسمه أحد بغير ذلك، فعلى هذا تكون كنيته اسمه. ويؤكد ذلك: أن ابن القَيِّم نفسه في قصيدته الميمية في التضرعلم يسم أباه إلا بأبي بكر، بل كان يكتب ذلك بخطه.
وأما ضبط (حريز) - جده الأعلى-: فقد استظهر الشيخ بكر أبو زيد أنه: بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين، وبعدهما ياء منقوطة باثنتين من تحت، ثم الزاي المعجمة في آخره، على وزن (فَعِيل) ، وأن هذا الضبط هو الأكثر والأشهر على ألسنة أهل العلم.
وأما (الزُّرَعِيُّ) : فنسبة إلى قرية (زرع) وقد ذكر ياقوت في (معجم البلدان)- نقلاً عن أبي القاسم الدمشقي-: أنها كانت تسمى (زُرَّا) ، فقال: "علي بن الحسين. .. الزُّرِّي الإمام، من أهل زُرَّا، التي تدعى اليوم: زرع، من حوران".
فَعُلِم من ذلك: أنها كانت في القديم تعرف بـ (زُرَّا) وكانت النسبة إليها: الزُّرِّي، ثم عرفت بعد بـ (زُرَع) فصار المنسوب إليها يقال له: (الزُّرَعِيُّ) .
وأفاد الدكتور أحمد عبيد: أن (زرع) هذه هي التي تعرف اليوم بـ (إِزْرَع). ويوافق الأستاذ أحمد قدامة الأستاذ أحمد عبيد على ذلك، ويزيد الأمر إيضاحاً، فيقول عند كلامه على (إزرع) : "بلدة في محافظة درعا، هي مركز منطقة إزرع، ومركز الناحية، تبعد عن درعا 32كم، وعن دمشق 96كم، كانت قديماً تسمَّى: (زرافة) ثم: (زرع) . سكانها: 3226 نسمة".
فتلخص من ذلك كله: أن هذه القرية التي ينسب إليها ابن القَيِّم: كانت قديماً تسمى: (زرا) - وزرافة على كلام الأستاذ أحمد قدامة - ثم عرفت بعد بـ (زرع) ، ثم أصبحت الآن عند العوام: (إِزْرَع) .
ولكن المؤكد عندنا: أنها في أيام ابن القَيِّم - رحمه الله - وإلى آخر حياته لم تكن تعرف إلا بـ (زرع) ؛ فقد ذكر ابن كثير -رحمه الله– في أحداث سنة (748هـ) : أنه نزل المطر، وامتلأت الأودية والغدران، "وامتلأت بركة زرع بعد أن لم يكن فيها قطرة". كما أن جماعة كثيرين من أهل العلم قد عرفوا بهذه النسبة في عصر ابن القَيِّم وأيامه.
وقد وقعت زيادة في نسبته، وذلك في ترجمة أخيه عبد الرحمن، حيث قال صاحب (الجوهر المنضد): " ... ابن أيوب بن سعد بن حريز اليمامي، الزُّرَعِي، ثم الدمشقي".
ولم أر أحداً من الذين ترجموا له ذكر في نسبته "اليمامي".
وأما شهرته - رحمه الله - بابن قَيِّم الجوزية: فقد أجمعت على هذه الشهرة كل المصادر التي ترجمته، وبها عُرِف بين أهل العلم قديماً وحديثاً.
وأما عن سبب هذه الشهرة وأصلها: فلأن والده كان قَيِّماً1 على المدرسة (الجوزية) التي كان ابن القَيِّم إمامها.
ومع أن وظيفة القِوامة في (المدرسة الجوزية) لم تكن حكراً على أبي بكر - والد ابن القَيِّم - وحده، بل لا بد أن يكون قد تولاها غيره - إما قبله أو بعده - إلا أن الواضح: أن والد ابن القَيِّم كان أشهر من تولى هذا المنصب، فصار هو المراد عندما يقال: (قيم الجوزية) ، وغلبت - بالتالي - هذه الشهرة على ابنه، حتى صار لا يُعرف إلا بها. وقد يكون الأب اكتسب هذه الشهرة بسبب شهرة ابنه شمس الدين، الذي ذاع صيته آنذاك.
وهذا كثير عند أهل العلم، ينسبون الرجل إلى وظيفة أو صنعة أبيه أو جَدِّه، كما كان الحافظ الذهبي - رحمه الله - يعرف بـ (ابن الذهبي) نسبة إلى صنعة الذهب التي مارسها أبوه.
والمشهور الآن بين أهل العلم وطلابه، وأكثر الناس قولهم: (ابن القَيِّم) بحذف المضاف إليه اختصاراً وجعل (ال) عوضاً عنه، وهذا الاختصار لا مانع منه؛ فقد صار هو المقصود عند الإطلاق لشهرته، ومع ذلك ينبغي التنبه من التباسه بغيره، فقد وقع في ترجمة محمد بن رافع السلامي - صاحب (الوفيات) ، المتوفى سنة 774هـ -: أنه سمع من ابن القَيِّم، هكذا بدون إضافة، ومع ذلك فليس هو ابن قَيِّم الجوزية الذي نترجم له، وإنما هو: علي بن عيسى بن سليمان بن رمضان، الثعلبي، المصري، الشافعي، بهاء الدين، أبو الحسن، مولده 613هـ. تَفَرَّد بالرواية عن الفخر الفارسي، وليَ نظر الأوقاف، وكان ديِّنَاً، خيِّراً، متواضعاً. توفي سنة 710هـ.
فإذا قيل: إن ابن رافع سمع من ابن القَيِّم، توهم من لم يمعن النظر أنه ابن قَيِّم الجوزية، وبخاصة أن ابن رافع دخل دمشق مراراً، وأخذ عن جماعة هم في طبقة ابن قَيِّم الجوزية، فاحتمال التباسه غير بعيد، ولذا أردت التنبيه، والله أعلم.
ومما ينبغي التنبيه عليه أيضاً: ما يسمع على ألسنة البعض من قولهم: (ابن القَيِّم الجوزية) بالجمع بين (أل) والإضافة، ومعلوم أنهما لا يجتمعان في التعريف.
كنيته:
اتفق كل من ذكر كنيته من مترجميه على أنها (أبو عبد الله) ، وذلك تكنية له باسم ولده عبد الله، وهو أصغر ولديه كما سيأتي في ترجمته.
لقبه:
واتفقت مصادر ترجمته - أيضاً - على تلقيبه بـ (شمس الدين) ، ولقبه السيوطي بـ (الشمس)، بجعل (ال) عوضاً عن المضاف إليه، ومنه قولهم: (التقى ابن تَيْمِيَّة والشهاب ابن حجر) ، أي: تقي الدين وشهاب الدين.
وقد كانت هذه الألقاب وأمثالها منتشرة بين أهل العلم في عصره رحمه الله، وربما لقبه بذلك أبوه - أو غيره - تفاؤلاً بأن ينفع الله به، وأن يجعله من العلماء العاملين، الذين تضيء آثارهم طريق العباد هداية ونوراً، فجاء اللقب - بتوفيق الله - مطابقاً للحقيقة، وانتفع القاصي والداني بأنوار علومه، وكان - بحق - شمساً بين أقرانه، نفع الله به البلاد والعباد.
2- مولده:
اتفقت الكتب التي ترجمت لابن القَيِّم - رحمه الله - على أن مولده كان في سنة إحدى وتسعين وستمائة (691هـ) .
وذكر الصَّفَدِي - من بينهم - يوم ولادته وشهرها، فقال: "مولده سابع صفر سنة إحدى وتسعين وستمائة". وتابعه على ذلك: السيوطي2، ثم الداودي.
أما عن مكان ولادته: فلم ينص أحد ممن ترجم له على ذلك، وقد تقدم أنه منسوب إلى (زرع) أولاً، ثم (دمشق) ثانياً، فقال ابن ناصر الدين رحمه الله: " ... الزرعي الأصل، ثم الدمشقي". فهل يعني ذلك أنه ولد في (زرع) ، ثم انتقل إلى دمشق؟ أم أن الانتقال حصل لأبيه أو أحد أجداده، وأن مولده كان في دمشق؟ كلا الأمرين محتمل، وعلى كلٍّ فإن الأمر في ذلك سهل؛ إذ إن مكان ولادته لا يخرج عن أحدهما.
ثم رأيت بعد ذلك الأستاذ أحمد قدامة يجزم بأنه مولود في دمشق، فالله أعلم.
ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها - جمال بن محمد السيد (1/ 81 -87)