أقوال الصحابة رضي الله عنهم في علو الله تعالى على خلقه

قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع عن ابن عمر قال: لما قُبِض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو بكر رضي الله عنه: «أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون، فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء، فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران/ 144] حتى ختم الآية.

وقال البخاري في «تاريخه»: قال محمد بن فُضَيل: عن فُضَيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل أبو بكر رضي الله عنه عليه فأكبّ عليه وقبّل جبهته وقال: بأبي أنت وأُمي، طِبتَ حيًّا وميتًا، وقال: «من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حيٌّ لا يموت».

وفي «صحيح البخاري» من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصْلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه ـ فذكر الحديث ـ وفيه «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى أبي بكر أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله ثم استأخر … » فذكره.

ذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

عن إسماعيل عن قيس قال: لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونًا تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر رضي الله عنه: لا أراكم هاهنا إنما الأمر من هاهنا، وأشار بيده إلى السماء».

وذكر أبو نعيم بإسناده عنه: «ويل لديَّان الأرض من ديَّان السماء يوم يلقونه؛ إلا من أمر بالعدل، وقضى بالحق ولم يقض على هوًى، ولا على رغب ولا على رهب، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه».

وقال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس، قال: «لمَّا قدم عمر الشام استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونًا تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر: ألا أراكم هاهنا إنما الأمر من هاهنا، وأشار بيده إلى السماء».

وقال عثمان بن سعيد الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت أبا يزيد المدني قال: لقيتْ امرأةٌ عمرَ ابن الخطاب رضي الله عنه ـ يقال لها: خولة بنت ثعلبة ـ رضي الله عنها ـ وهو يسير مع الناس فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز قال: ويلك تدري من هذه؟ قال: لا قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها، إلا أن تحضرني صلاة فأصليها، ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها».

وقال خُلَيد بن دعلج عن قتادة قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المسجد ومعه جارود العبدي فإذا بامرأة بارزة على ظهر الطريق فسلم عليها عمر رضي الله عنه فردت عليه السلام وقالت: إيهًا يا عمر، عهدتك وأنت تُسمَّى عُميرًا في سوق عكاظ، تزع الصبيان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سُمِّيت عمر، ولم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين؛ فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال الجارود: قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه: «دعها، أمَا تعرفها هذه خولة بنت حكيم … التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات فعمر والله أحق أن يسمع لها».

قال ابن عبد البر: «وروينا من وجوهٍ عن عمر بن الخطاب أنه خرج ومعه الناس فمرَّ بعجوزٍ فاستوقفته؛ فوقف لها فجعل يحدثها وتحدثه، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز، قال: ويلك تدري من هذه؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات. وذكر الحديث.

قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في «كتاب الاستيعاب»: «رُوِّينا من وجوهٍ صحاح: أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مشى إلى أمَةٍ له فنالها، فرأته امرأته فلامته فجَحَدها، فقالت: إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن، فإن الجنب لا يقرأ، فقال:

شهدت بأن وعد الله حق … وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماءِ طافٍ … وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة شداد … ملائكة الإله مسومينا

فقالت: آمنت بالله، وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن».

قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

قال الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ـ يعني: ـ ابن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سمائين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله جل وعلا فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه».

وروى الأعمش عن خيثمة عنه: «إن العبد لَيهمُّ بالأمر من التجارة أو الإمارة، حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات، فيقول للملك: «اصرفه عنه، قال: فيصرفه».

وقال عبد الله بن مسعود: «ليس عند ربكم ليل ولا نهار، ونور السماوات من نور وجهه، وإنَّ مقدار كل يومٍ من أيَّامكم عند الله اثنتا عشرة ساعة، فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار ـ أو اليوم ـ فينظر فيها ثلاث ساعات، فيطلع منها على بعض ما يكره، فيغضبه ذلك، فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش، ويجدونه يثقل عليهم، فيسبحه الذين يحملون العرش وسرادقات العرش والملائكة المقرَّبون وسائر الملائكة، وينفخ جبريل في القَرْنِ فلا يبقى شيء إلا سمعه إلا الثقلين: الإنس والجن، فيسبحونه ثلاث ساعات حتى يمتلئ الرحمن رحمةً، فتلك ستُّ ساعات، ثم يؤتى بما في الأرحام، فينظر فيها ثلاث ساعات، فيصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فتلك تسع ساعات، ثم ينظر في أرزاق الخلق كلهم ثلاث ساعات، فيبسط الرزق لمن يشاء ويقْدِر، إنه بكل شيء عليم، ثم قرأ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن/ 29] ثم قال عبد الله: هذا مِن شأنكم وشأن ربكم تبارك وتعالى».

رواه عثمان بن سعيد الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد، هو: ابن سلمة عن الزبير أبي عبد السلام عن أيوب بن عبدالله الفهري عن ابن مسعود.

ورواه الحسين بن إدريس عن خالد بن الهيَّاج عن أبيه عن عبَّاد بن كثير عن جعفر بن الحارث عن معدان عن ابن مسعود: «إن ربكم ليس عنده نهار ولا ليل، وإن السماوات مملوءات نورًا من نور الكرسي، وإن يومًا عند ربك اثنتا عشرة ساعة، فترفع منها أعمال الخلائق في ثلاث ساعات، فيرى فيها ما يكره، فيغضبه ذلك، وإنَّ أول مَنْ يعلم بغضبه حملة العرش، يرونه يثقُل عليهم فيسبحون له، وتسبِّح سُرادقات العرش في ثلاث ساعات من النهار، فتلك تسع ساعات، ثم يُرفَعُ إليه أرحام كل دابَّةٍ فيخلق فيها ما يشاء، ويجعل المُدَّة لمن يشاء؛ في ثلاث ساعات من النهار، فتلك اثنتا عشرة ساعة، ثم تلا ابن مسعود هذه الآية: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن/ 29]، هذا من شأن ربنا تبارك وتعالى».

قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في «كتاب السنة» من حديث سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، فإن بين السماوات السبع إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك».

وفي «مسند الحسن بن سفيان» و «كتاب عثمان بن سعيد الدارمي» من حديث عبد الله بن أبي مُلَيكة أنه حدثه ذكوان قال: «استأذن ابن عباس رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها ـ وهي تموت ـ فقال لها: «كنت أحب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب إلا طيبًا، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيه إلا وهي تُتْلى فيه آناء الليل وآناء النهار».

وذكر الطبري في «شرح السنة»: من حديث سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد قال: قيل لابن عباس: إن ناسًا يكذبون بالقدر، قال: يكذبون بالكتاب، لئن أخذت بشعر أحدهم لأنضونَّه، إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئًا، فخلق الخلق فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فُرِغ منه».

وقال إسحق بن راهوية: أخبرنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة في قوله تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ … } الآية [الأعراف/17]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يستطع أن يقول: من فوقهم، علم أن الله من فوقهم».

قول عائشة رضي الله عنها:

قال الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية بن أسماء قال: سمعت نافعًا يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: «وايم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته ـ تعني عثمان ـ ولكن علم الله من فوق عرشه أني لم أحب قتله».

قول زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها:

ثبت في «الصحيحين» من حديث أنس رضي الله عنه قال: كانت زينب تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول: «زوجكنَّ أهاليكنَّ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات».

وروى العسَّال بإسناد عنها أنها كانت تقول: زوجنيك الرحمن من فوق عرشه، كان جبريل السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك».

قول أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه:

قال: لمَّا لعن الله إبليس وأخرجه من سماواته وأخزاه قال: «رب أخزيتني ولعنتني وطردتني من سماواتك وجوارك، وعزتك لأغوين خلقك ما دامت الأرواح في أجسادها، فأجابه الرب تبارك وتعالى فقال: «وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي لو أن عبدي أذنب حتى ملأ السماء والأرض خطايا، ثم لم يبق من عمره إلا نفس واحد، فندم على ذنوبه لغفرتها، وبدَّلت سيئآته كلها حسنات».

وقد رُوِىَ هذا المتن مرفوعًا، ولفظه: «وعزتي وجلالي وارتفاعي لو أن عبدي … فذكره».

ورواه ابن لهيعة عن درَّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الشيطان قال: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني: لا أزال أغفر ما استغفروني».

قول الصحابة كلهم رضي الله عنهم أجمعين:

قال يحيى بن سعيد الأموي في «مغازيه»: حدثنا البكَّائيُّ عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن سنان عن سعيد بن الأجيرد الكندي عن العرس بن قيس الكندي عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: خرجت مهاجرًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ فذكر قصة طويلة ـ وقال فيها: «فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم، ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمتُ وتبعته».


اجتماع الجيوش الإسلامية (ص: 162 -180 ط عطاءات العلم)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله