مهدي الرافضة معدوم لا معصوم

وفي «صحيح أبي حاتم» من حديث الخولانيِّ: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزالُ اللهُ يغرسُ في هذا الدِّين غرسًا يستعملُهم في طاعته»، وغَرْسُ الله هم أهلُ العلم والعمل، فلو خلت الأرضُ من عالمٍ خلت من غَرْسِ الله.

ولهذا القول حججٌ كثيرةٌ لها موضعٌ آخر.

وزاد الكذَّابون في حديث علي: « … إمَّا ظاهرًا مشهورًا، وإمَّا خفيًّا مستورًا»، وظنُّوا أنَّ ذلك دليلٌ لهم على القول بالمُنتَظَر، ولكنَّ هذه الزيادة مِنْ وَضْع بعض كذَّابيهم، والحديثُ مشهورٌ عن عليٍّ لم يَقُلْ أحدٌ عنه هذه المقالة إلا كذَّاب.

وحججُ الله لا تقومُ بخفيٍّ مستورٍ لا يقعُ العالَمُ له على خبر، ولا ينتفعون به في شيءٍ أصلًا؛ فلا جاهلٌ يتعلَّمُ منه، ولا ضالٌّ يهتدي به، ولا خائفٌ يأمنُ به، ولا ذليلٌ يتعزَّزُ به، فأيُّ حجَّةٍ لله قامت بمن لا يُرى له شخص، ولا يُسْمَعُ منه كلمة، ولا يُعْلَمُ له مكان؟! ولا سيما على أصول القائلين به، فإنَّ الذي دعاهم إلى ذلك أنهم قالوا: لا بدَّ منه في اللُّطْف بالمكلَّفين وانقطاع حجَّتهم عن الله.

فيا لله العجب! أيُّ لُطْفٍ حصل بهذا المعدوم، لا المعصوم؟! وأيُّ حجَّةٍ أثبتُّم للخلق على ربهم بأصلكم الباطل؟! فإنَّ هذا المعدومَ إذا لم يكن لهم سبيلٌ قطُّ إلى لقائه والاهتداء به، فهل في تكليف ما لا يطاقُ أبلغُ من هذا؟! وهل في العذر والحجَّة أبلغُ من هذا؟!

فالذي فررتم منه وقعتم في شرٍّ منه، وكنتم في ذلك كما قيل:

المستجيرُ بعمرٍو عند كُرْبته … كالمستجير من الرَّمضاءِ بالنارِ

ولكن أبى اللهُ إلا أن يفضحَ من تنقَّصَ بالصحابة الأخيار وبسادة هذه الأمَّة، وأن يُرِيَ الناسَ عورتَه ويُغْرِيه بكشفها. ونعوذُ بالله من الخذلان.

ولقد أحسن القائل:

ما آنَ للسِّرداب أن يَلِدَ الذي … حمَّلتمُوه بزعمكم ما آنا

فعلى عقولكم العَفاءُ فإنَّكم … ثَلَّثتُم العَنْقاءَ والغِيلانا


مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 404 – 408 ط عطاءات العلم)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله