ونختم هذا الكتاب بآيةٍ من كتاب الله تعالى، جمع فيها تدبير الحروب بأحسن تدبير، وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 - 46].
فأمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء، ما اجتمعت في فئةٍ قطُّ إلَّا نُصِرَت، وإن قلَّت وكثُرَ عدوُّها:
أحدها: الثبات.
الثاني: كثرة ذِكْره سبحانه وتعالى.
الثالث: طاعته وطاعة رسوله.
الرابع: اتِّفاق الكلمة، وعدم التنازع الذي يوجِب الفَشَل والوَهَن، وهو جُندٌ يقوَّي به المتنازعون عدوَّهُم عليهم؛ فإنهم في اجتماعهم كالحِزْمَة من السِّهام، لا يستطيع أحدٌ كسرها، فإذا فرَّقها وصار كلٌّ منهم وحده؛ كسرها كلها.
الخامس: مِلاك ذلك كله وقوامه وأساسه، وهو الصبر.
فهذه خمسة أشياء تُبْتَنى عليها قُبَّة النَّصْر، ومتى زالت أو بعضها؛ زال من النصر بحسب ما نقص منها، وإذا اجتمعت، قوَّى بعضُها بعضًا، وصار لها أثرٌ عظيمٌ في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقمْ لهم أمَّةٌ من الأمم، وفتحوا الدُّنيا، ودانت لهم العباد و البلاد، ولما تفرَّقت فيمن بعدهم وضَعُفت؛ آل الأمرُ إلى ما آل.
الفروسية المحمدية - ط عطاءات العلم (1/ 472 - 473)