‌‌عشرة أمثلة ضربها ابن القيم للمُعطِّل والمُشبّه والمُوحّد

وهذه أمثال حسان مضروبة للمعطِّل والمشبِّه والموحِّد ذكرتُها قبل الشروع في المقصود، فإن ضربَ الأمثال مما يأنس به العقلُ لتقريبها المعقول من المشهود.

وقد قال تعالى - وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين-: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]. وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلًا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلًا لم يفهمه اشتدّ بكاؤه، ويقول: لست من العالمين. وسنفرد لها إن شاء الله كتابًا مستقلاًّ متضمنًّا لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من فنون العلم وحقائق الإيمان. وبالله المستعان وعليه التكلان.

المثل الأول: ثيابُ المعطِّل ملطَّخةٌ بعَذِرَةِ التحريف، وشرابه متغيّر بنجاسة التعطيل. وثيابُ المشبِّهَ متضمِّخَةٌ بدم التشبيه، وشرابه متغيّر بفَرْث التمثيل. والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن، يخرج شرابه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين.

المثل الثاني: شجرةُ المعطِّل مغروسةٌ على شفا جُرُفٍ هارٍ وشجرةُ المشبِّه قد اجتُثث من فوق الأرض ما لها من قرار. وشجرةُ الموحّد أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربّها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.

المثل الثالث: شجرةُ المعطّل شجرةُ الزَّقُّوم، فالحلوق السليمة لا تبلعُها. وشجرةُ المشبِّه شجرةُ الحنظَل، فالنفوس المستقيمة لا تتبعُها. وشجرةُ الموحِّد طُوبَى يسير الراكب في ظلّها مائةَ عام لا يقطعُها المثل الرابع: المعطِّل قد اتخذ قلبَه لوقاية الحر والبرد بيتَ العنكبوت. والمشبّه قد خُسِف بعقله، فهو يتَجلْجَلُ في أرض التشبيه إلى البَهْمُوت. وقلبُ الموحّد يطوف حول العرش ناظرًا إلى الحيّ الذي لا يموت.

المثل الرابع: المعطِّل قد اتخذ قلبَه لوقاية الحر والبرد بيتَ العنكبوت. والمشبّه قد خُسِف بعقله، فهو يتَجلْجَلُ في أرض التشبيه إلى البَهْمُوت. وقلبُ الموحّد يطوف حول العرش ناظرًا إلى الحيّ الذي لا يموت

المثل الخامس: مصباح المعطّل قد عصَفت عليه أهوِيةُ التعطيل، فطَفِئَ وما أنار. ومصباحُ المشبّه قد غرِقتْ فتِيلتُه في عَكَر التشبيه، فلا يقتبس منه الأنوار. ومصباحُ الموحّد يتوقَّدُ من شجرة مباركة زيتونةٍ لا شرقيّة ولا غربيّة، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسَسْه نار.

المثل السادس: قلب المعطِّل متعلّق بالعدَم، فهو أحقرُ الحقير. وقلب المشبِّه عابدُ الصنم الذي قد نُحِتَ بالتصوير والتقدير. والموحّدُ قلبُه متعبّدٌ لمن ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.

المثل السابع: نقودُ المعطّل كلُّها زُيوف فلا تروج علينا. وبضاعةُ المشبِّه كاسدةٌ، فلا تَنْفقُ لدينا. وتجارةُ الموحِّد ينادى عليها يومَ العَرْض على رؤوس الأشهاد: هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا.

المثل الثامن: المعطِّل كنافخ الكِير إما أن يُحرِق ثيابَك، وإمّا أن تجد منه ريحًا خبيثة. والمشبهُ كبائع الخَمر إمّا أن يُسكِرك، وإمّا أن يُنجِّسك. والموحد كبائع المسك إما أن يُحذِيَكَ، وإمّا أن يبيعَك، وإمّا أن تجدَ منه رائحةً طيبة.

المثل التاسع: المعطّل قد تخلّف عن سفينة النجاة، ولم يركبها، فأدركه الطوفان. والمشبّه قد انكسرت به في اللُّجّة، فهو يشاهد الغرَق بالعيَان. والموحّد قد ركِب سفينةَ نوح، وقد صاح به الرُّبّان: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41].

المثل العاشر: مَنْهلُ المعطِّل كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، فرجع خاسئًا حسيرًا. ومشربُ المشبّه من ماء قد تغير طعمه ولونه وريحه بالنجاسة تغييرًا. ومشربُ الموحّد من كأس كان مزاجها كافورًا، عينًا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا.


مقدمة نونية ابن القيم الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية - ط عطاءات العلم (1/ 41 - 47)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله