ولمَّا اقتضت حكمتُه تبارك وتعالى أنْ جَعَل من الأرض السَّهْلَ والوَعْر، والجبالَ والرِّمال؛ ليُنتَفعَ بكلِّ ذلك في وَجْهِه، ويحصُل منه ما خُلِقَ له، وهُيِّئت الأرض بهذه الآية = لَزِمَ من ذلك أن صارت كالأمِّ التي تحملُ في بطنها أنواعَ الأولاد من كلِّ صنف، ثمَّ تُخْرِجُ إلى النَّاس والحيوان من ذلك ما أذِنَ لها فيه ربُّها أن تخرجَه، إمَّا بعلمهم، وإمَّا بدونه، ثمَّ يردُّ إليها ما خرج منها.
وجَعَلها سبحانه كِفاتًا للأحياء ما داموا على ظهرها، فإذا ماتوا استُودِعَتْهم في بطنها فكانت كِفاتًا لهم؛ تَضُمُّهم على ظهرها أحياءً وفي بطنها أمواتًا، فإذا كان يومُ الوقت المعلوم وقد أثقَلَها الحَمْلُ وحانَ وقتُ الولادة ودنا المَخاض، أوحى إليها ربُّها وفاطرُها أن تضع حملَها وتُخرِجَ أثقالها، فتُخرِج النَّاسَ من بطنها إلى ظهرها، وتقول: ربِّ هذا ما اسْتَوْدَعْتَني، وتُخرِجُ كنوزَها بإذنه تعالى، ثمَّ تحدِّثُ أخبارَها، وتشهدُ على بَنِيها بما عملوا على ظهرها من خيرٍ أو شرٍّ.
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (2/ 629 - 630 ط عطاءات العلم)