التعليق على حديث: "شَهْرَا عيدٍ لا ينقصان: ‌رمضانُ، وذُو الحجة"

باب الشهر يكون تسعًا وعشرين

وعن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَة عن أبيه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "شَهْرَا عيدٍ لا ينقصان: ‌رمضانُ، وذُو الحجة".

وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه.

قال ابن القيم - رحمه الله -: وفي معناه أقوال:

أحدها: لا يجتمع نقصُهما معًا في سنة واحدة، وهذا منصوص الإمام أحمد.

الثاني: أن هذا خرج على الغالب، والغالب أنهما لا يجتمعان في النقص، وإن وقع نادرًا.

والثالث: أن المراد بهذا تلك السنة وحدها، ذكره جماعة.

الرابع: أنهما لا ينقصان في الأجر والثواب، وإن كان ‌رمضان تسعًا وعشرين فهو كامل في الأجر.

الخامس: أن المراد بهذا تفضيل العمل في عشر ذي الحجة، وأنه لا ينقص أجره وثوابه عن ثواب شهر ‌رمضان.

وقد اختلف في أيام العشر من ذي الحجة والعشر الأخير من ‌رمضان أيهما أفضل؟

قال شيخنا: وفصل الخطاب: أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، فإن فيها ليلة القدر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في تلك الليالي ما لا يجتهد في غيرها من الليالي، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الآخر من رمضان؛ لحديث ابن عباس، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر"، وما جاء في يوم عرفة.

السادس: أن الناس كان يكثر اختلافهم في هذين الشهرين لأجل صومهم وحجهم، فأعلَمَهم - صلى الله عليه وسلم - أن الشهرين وإن نقصت أعدادُهما فحكم عبادتهما على التمام والكمال. ولما كان هذان الشهران هما أفضل شهور العام، وكان العمل فيهما أحب إلى الله من سائر الشهور= رغّب النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمل، وأخبر أنه لا ينقص ثوابه وإن نقص الشهران. والله أعلم.

قالوا: ويشهد لهذا التفسير ما رواه الطبراني في "معجمه" من حديث عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه يرفعه: "كل شهر حرام لا ينقص، ثلاثين يومًا وثلاثين ليلة". ورجال إسناده ثقات. وهذا لا يمكن حمله إلا على الثواب، أي للعامل فيها ثواب ثلاثين يومًا وليلة، وإن نقص عدده. والله أعلم.


تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (2/ 4 - 6)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله