وحكمةُ ذلك -والله أعلم- ما أشار إليه السُّهيلي: فقال: "التصغير: تقليل أجزاء المصغَّر، والجمع: مقابله، وقد زِيْد في الجمع ألفٌ ثالثة كـ "فعالل"، فزيد في مقابلته ياء ثالثة، ولم تكن آخرًا كعلامة التأنيث، لأن الزيادة في اللفظ على حسب الزيادة في المعنى، والصفة التي هي صغر الجسم لا تختص بجزء منه دون جزء، بخلاف صفة التأنيث؛ فإنها مختصة في جميع الحيوانات بطرف يقع به الفرق بين الذكر والأنثى، فكانت العلامة في اللفظ المنبئة عن معنى المناسبة طرفًا في اللفظ، بخلاف الياء في التصغير، فإنها منبئة عن صفة واقعة على جملة المصغر، وكانت "ياء" لا "ألفًا"؛ لأن الألف قد اختصت بجمع التكثير، وكانت به أولى، كما كانت الفتحة التي هي أُختها بذلك أولى؛ لأن الفتح يُنبئ عن الكثرة، ويُشار به إلى السَّعَة، كما تجد الأخرس والأعجم -بطبعه- إذا أخبر عن شيءٍ كثير، فتح شفتيه، وباعَدَ ما بين يديه، وإذا كان الفتح يُنبئ عن الكثرة والسعة، والضم الذي هو ضده يُنبئ عن القلة والحقارة، كما تجد المقلِّل للشيء يُشير إليه بضم فم أو يد، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر ساعةَ الجمعة، وأشار بيده يقللها، فإنه جمع أصابِعَه وضمَّها ولم يفتحها.
وأما الواو، فلا معنى لها في التصغير لوجهين:
أحدهما: دخولها في ضَرْبٍ من الجموع، نحو "الفعول"، فلم يكونوا يجعلونها علامة في التصغير، فيلتبس التقليل بالتكثير.
والثاني: أنّه لابد من كسر ما بعد علامة التصغير، إذا لم يكن حرف إعراب كما كسر ما بعد علامة التكثير في "مَفَاعِل"، ليتقابل اللفظان، وإن تضادَّا، كما قابلوا "عَلِم" بـ "جَهِل"، أو "رَوِي" بـ "عَطِش"، و"وَضيع": فهو "وضيع" بـ "شَرُف" فهو "شريف"، فلم يمكن إدخال الواو لئلا يخرجوا منها إلى كسره، وامتنعت "الألف" لأجل أصل الجمع لها، تعيّنت الياء وفتح ما قبلها لأجل ضم أول الكلمة، لئلّا يخرج من ضمٍّ إلى كسر.
بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (1/ 63 - 65)