والمصيبة العظمى والداهية الكبرى: نسبةُ ذلك إلى دين الرسول صلى الله عليه وسلم وشرعِه، وأنَّه أذِنَ في ذلك لأمته، وأباحَه لهم وأطلقَه، ورفعَ الحرج عن فاعله، مع اشتماله على هذه المفاسد المضادَّة لشرعه ودينه.
وأعظم من هذه البلية وأشدُّ: اعتقادُ أنَّه قُربةٌ يُتقرَّب به إلى الله، ودينٌ يُدانُ الله به، وأنَّ فيه من صلاح القلوب وعمارتها بالأحوال العلية والصفاتِ الزكية ما يجعله أفضلَ من كثير من النوافل، كقيام الليل وقراءة القرآن، وطلب ما يُقرِّب إلى الله من العلم النافع والعمل الصالح.
وأعظم من هذا كلِّه بليةً ومصيبةً: اعتقادُ أن تأثُّر القلوب به أسرعُ وأقوى من تأثرها بالقرآن، وأنَّه قد يكون أنفعَ للعبد من سماع القرآن، وأن فتحَه أعجلُ وأقوى من فَتْح القرآن من وجوه متعددة.
ولا ريبَ أنَّ هذا من النفاق الذي أنبتَه الغناءُ في القلب، فإنَّه كما قال عبد الله بن مسعود: "الغناء يُنبِتُ النفاقَ في القلب كما يُنْبِت الماءُ البقلَ"، وأيُّ نفاقٌ فوقَ هذا النفاق؟
ولا ريبَ أنَّ ارتكاب المحرمات مع العلم بتحريمها أسهلُ وأسلمُ عاقبةً من ارتكابها على هذا الوجه، فإنَّ هذا قَلْبٌ للدين، ومشاقَّةٌ لرسول رب العالمين، واتباعٌ لغير سبيل المؤمنين، وقد قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].
الكلام على مسألة السماع (1/ 23 - 25)