المحرّمات على أربع مراتب

وقد حرَّم الله سبحانه القولَ عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرَّمات؛ بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]. فرتَّب المحرَّماتِ أربعَ مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنَّى بما هو أشدُّ تحريمًا منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريمًا منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أشدُّ تحريمًا من ذلك كلِّه، وهو القولُ عليه بلا علم. وهذا يعُمُّ القولَ عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله، وفي دينه وشرعه.

وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116 - 117]. فتقدَّم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذبِ عليه في أحكامه، وقولِهم لما لم يحرِّمه: هذا حرام، ولما لم يُحِلَّه: هذا حلال. وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، إلّا لِما عَلم أنَّ الله سبحانه أحلَّه وحرَّمه.

وقال بعض السلف: لِيتَّقِ أحدُكم أن يقول: أحلَّ الله كذا، وحرَّم الله كذا، فيقولَ الله له: كذبتَ، لَمْ أُحِلَّ كذا، ولمْ أحرِّم كذا.

فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورودَ الوحي المُبِين بتحليله وتحريمه: أحلَّه الله، وحرَّمه الله؛ لمجرَّد التقليد أو بالتأويل.


إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 80 – 81 ط عطاءات العلم)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله