الألفاظ التي يستفاد منها الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة

ويستفادُ كونُ الأمر المطلَق للوجوب: مِنْ ذَمِّه لمن خالَفه، وتسميته إيَّاه عاصِيًا، وترتيبه عليه العقابَ العاجلَ أو الآجلَ.

ويستفادُ كونُ النهي للتحريم: من ذَمِّه لمن ارتكبه، وتسميتِه عاصيًا، وترتيبِه العقابَ على فعله.

ويستفاد الوجوبُ: بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب والفَرْض والكَتْب، ولفظة "على"، ولفظة "حق" على العباد وعلى المؤمنين، وترتيب الدم والعقاب على الترك، وإحباط العمل بالترك، وغير ذلك.

ويستفادُ التحريمُ: من النَّهي، والتَّصريح بالتحريم والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفارة بالفعل. وقول: "لا ينبغي" فإنها في لغة القرآن والرسول للمنع عقلًا أو شرعًا، ولفظة: "ما كان لهم كذا"، "ولم يكنْ لهم"، وترتيب الحدِّ على الفعل، ولفظة: "لا يحل ولا يصلح"، ووَصْف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان وعمله، وأنّ الله لا يحبُّه، وأنه لا يرضاه لعباده، ولا يُزَكِّي فاعِلَه، ولا يكلِّمه، ولا ينظرُ إليه، ونحو ذلك.

وتستفادُ الإباحةُ من الإذن والتخيير، والأمر بعد الحظر، ونفي الجُنَاح والحَرَج والإثم والمؤاخذة، والإخبار بأنه معفوٌّ عنه، وبالإقرار على فعله في زمن الوحى، وبالإنكار على من حَرَّمَ الشيءَ، والإخبار بأنه خلق لنا كذا، وجعله لنا، وامتنانه علينا به، وإخباره عن فعل مَنْ قَبْلَنا لَهُ غَيْرَ ذامٍّ لهم عليه، فإن اقْتَرنَ بإخباره مدحٌ دلَّ على رجحانه استحبابًا أو وجوبًا.

فصل

وكل فعل عظَّمه الله ورسوله، أو مدحه، أو مدح فاعلَه لأجله، أو فَرِحَ به، أو أحبَّه أو أحبَّ فاعِلَه، أو رضي به أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالطِّيْب أو البَرَكة أو الحُسْن، أو نصبه سببًا لمحبته، أو لثواب عاجل أو آجل، أو نَصَبَهُ سببًا لذكره لعبده، أو لشكره له، أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته، أو لقبوله أو لنُصْرة فاعله، أو بشارة فاعله أو وَصَف فاعلَه بالطيب، أو وَصَف الفعل بكونه معروفًا، أو نفى الحزنَ والخوفَ عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نصبه سببًا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرُّسُل بحصوله، أو وصفه بكونه قُرْبةً، أو أقسم به أو بفاعله، كالقَسَم بخيل المجاهدين وإغارتها، أو ضحك الرَّبِّ جل جلاله من فاعله أو عَجَبه به، فهو دليلٌ على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب.

فصل

وكلُّ فعل طلبَ الشرعُ تركَه أو ذمَّ فاعله، أو عتب عليه أو لعنه، أو مقته أو مَقَتَ فاعلَه، أو نفى محَبَّتَهُ إيَّاه أو محبَّة فاعله، أو نفى الرضى به أو الرضاء عن فاعله، أو شبَّه فاعله بالبهائم أو بالشياطين، أو جعله مانعًا من الهدى أو من القبول، أو وصفه بسوء أو كراهة، أو استعاذ الأنبياءُ منه أو أبغضوه، أو جُعِلَ سببًا لنفي الفلاح، أو لعذابٍ عاجل أو آجل، أو لذمٍّ أو لوم، أو لضلالة أو معصية، أو وُصِفَ بخبث أو رجس أو نَجَس، أو بكونه فِسقًا، أو إثمًا أو سببًا لإثم أو رجس أو لعن أو غضب، أو زوال نعمة أو حلول نقمة، أو حدّ من الحدود، أو قسوة أو خِزْىِ أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله أو محاربته، أو للاستهزاء به وسُخْريته، أو جعله الربَّ سببًا لنسيانه لفاعله، أو وصف نفسه بالصبر عليه، أو بالحِلْم والصفح عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث أو احتقار، أو نَسَبه إلى عمل الشيطان وتزيينه، أو تولِّي الشيطان لفاعله، أو وُصِف بصحفة ذم؛ مثل كونه ظلمًا أو بغيًا أو عدوانًا أو إثمًا، أو تبرأ الأنبياءُ منه أو من فاعله، أو شَكَوا إلى الله من فاعله، أو جاهروا فاعِلَه بالعداوة، أو نُصِبَ سببًا لخيبة فاعله عاجلًا أو آجلًا، أو رُتِّبَ عليه حرمان الجنَّة، أو وُصِف فاعلُه بأنه عدُوٌّ لله أو أن الله عدُوُّه، أو أعلم فاعِلَهُ بحرب من الله ورسوله، أو حمَّل فاعلَهُ إثمَ غيره، أو قيل فيه: "لا ينبغي هذا ولا يصلحُ"، أو أمرَ بالتقوى عند السؤال عنه، أو أَمر بفعل يضادُّه، أو هَجْر فاعله، أو تلاعَنَ فاعلوه في الآخرة وتبرَّأ بعضُهم من بعض، أو وَصَف فاعله بالضَّلالة، أو أنه ليس من الله في شيءٍ، أو أنه ليس من الرَّسول وأصحابه، أو قُرِنَ بمحرم ظاهر التحريم في الحكم والخبرُ عنهما بخبر واحد، أو جَعَل اجتنابه سببًا للفلاح، أو فِعْله سببًا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل لفاعله: "هل أنت منتهٍ"؟ أو نهى الأنبياءَ عن الدُّعاء لفاعله، أو رتَّبَ عليه إبعادًا وطردًا.

ولفظة: "قُتِل من فَعَله"، أو: "قاتل اللهُ من فَعَله"، أو أخبر أن فاعله لا يكلِّمُه اللهُ يومَ القيامة ولا ينظرُ إليه ولا يُزَكِّيه، وأن الله لا يُصْلِحُ عملَهُ، ولا يهدي كيدَهُ، وأن فاعلَه لا يُفلحُ ولا يكونُ يوم القيامة من الشهداء ولا من الشُّفَعاء، أو أن اللهَ يغار من فعله، أو نبه على وجه المَفْسَدَة فيه، أو أخبر أنه لا يقبل من فاعله صرفًا ولا عَدْلًا، أو أخبر أن من فعله قُيِّضَ له شيطان فهو له قرينٌ، أو جَعَل الفعلَ سببًا لإزاغة الله قلبَ فاعله أو صرفه عن آياته وفهمِ كلامه، أو سؤال اللهِ سبحانه عن علَّة الفعل لمَ فَعَل؟ نحو: {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ} [آل عمران: 99]، {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران: 71]، {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص: 75]، {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، ما لم يقترنْ به جوابٌ من المسؤول، فإن اقترن به جوابٌ كان بحسب جوابه.

فهذا ونحوُه يَدُلُّ على المنع من الفعل، ودلالتُه على التحريم أطرَدُ من دلالته على مجرد الكراهة.

وأما لفظة: "يكرهُهُ اللهُ ورسولُه"، أو "مكروه"، فأكثر ما تُسْتَعملُ في المحرم، وقدْ يستعملُ في كراهة التنزيه. وأما لفظة: "أما أنا فلا افعلُ"، فالمتحقِّق منه الكراهة، كقوله: "أمّا أنا فَلا آكُلُ مُتَكِئًا"، وأما لفظة: "ما يكون لك وما يكون لنا"، فاطَّرَدَ استعمالُها في المحرم نحو: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [الأعراف: 13]، {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا} [الأعراف: 89]، {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: 116].

فصل

وتستفادُ الإباحةُ: من لفظ الإحلال، ورفع الجُنَاح، والإذن، والعفو، وإن شئت فافعل، وإن شئت فلا تفعلْ، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، وما يتعلَّقُ بها من الأفعال، نحو: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا} [النحل: 80] ونحو: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] ومن السكوت عن التحريم، ومن الإقرار على الفعل في زمن الوحى، وهو نوعان: إقرار الكتاب تبارك وتعالى وإقرار رسوله إذا علم الفعل. فمن إقرار الرَّبِّ تعالى قول جابر: "كنا نَعْزِلُ والقرآنُ يَنْزِل"، ومن إقرار رسوله قول حسَّان لعمر: "كنتُ أُنشد وفيه من هو خير منك".


بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (4/ 1307 - 1311)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله